ليست مجرد أكبر ولاية بموريتانيا بفارق كبير عن مجمل ولايات الوطن (أكثر من 600 ألف نسمة) ، لكنها شريط حدودى ملتهب، يصارع من أجل ضمان الإستقرار بالمنطقة ، ونخب غارقة فى أجندة التمكين للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وداعميه دون مجاملة، وحاضنة لأكبر عدد من رموز التأثير المبعدين من دوائر صنع القرار منذ فترة.
ففى مقاطعة جكنى الحدودية أكتفت الحكومة الموريتانية بمنح رجل المقاطعة القوى مدير معهد ورش ورجل الأعمال البارز إسلكو ولد حيده صفة لقب مستشار الرئيس المرشح خلال الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، مع كوكبة من رموز البلد فى مذكرة تلقفها أنصار المجموعة بقدر كبير من الحفاوة.
تقدير قابله الرجل الحاصل علي أكثر من عشرة آلاف صوت فى انتخابات البرلمان الأخيرة بتجاوز مرارة الظلم الذى تعرض له، ووقوف الدولة بكامل قوتها فى وجه طموحه، لتمنح مقعده لغير القادر على افتكاك منصب عمدة دون دعم خارجى ؛ ولتنحاز لخصومه فى جولة الإعادة، بعدما أوشك طوفان التغيير على ابتلاع مجمل رموز الحقبة الماضية دفعة واحدة.
عاد رجل الأعمال ولد حيده لعمله (التجارة وتعليم المحتاجين) بعد انتهاء الإنتخابات الرئاسية الأخيرة ، وشرع النظام فى التمكين لخصومه ، عبر تثبيت البعض فى مراكز قيادية بالجهاز التنفيذي، والإنفتاح على البعض الآخر، بحكم علاقات شخصية نسجت خلال الحقب الماضية مع بعض صناع القرار بموريتانيا.
وفى مقاطعة ولاته دهس قطار التهميش رموز كبرى المجموعات القبلية بالمنطقة، ليتحول المشهد من وزيرين خلال العشرية إلى استبعاد كامل من المناصب السياسية والتنفيذية بالمقاطعة ، رغم علاقات وازنة يمتلكها الوزير السابق أحمد ولد أهل داوود بأركان المنظومة التنفيذية الحالية خلال فترة توليه قطاع الشؤون الإسلامية، وهي علاقات لم تمنحه بعد مغادرة الوزارة ولو منصب مستشار بالرئاسة أو الوزارة الأولي ولا قيادة هيئة علمية أو مجلس إدارة، ولم يحظ ابن عمه الصاعد فى مجال السياسة المحلية والتأثير داخل المحيط القبلى الدكتور أحمد ولد علال بمنصب يعيد الإعتبار للمجموعة، رغم مكانته العلمية والسياسية ودوره فى المجموعة القبلية ومهاراته كمحامي وأستاذ جامعى لعدة سنين.
وفى تمبدغه أقصت صراعات المنظومة التنفيذية رجل الولاية القوى والإدارى البارز مستشار وزير الداخلية إسلمو ولد عبد الرحمن ولد أمينوه من مجمل المناصب التنفيذية ، بعدما أقيل من منصبه كمستشار للوزير الأول وأعيد إلى رتبة مستشار بقطاع الداخلية مع وزير قابله بغير ماتوقع ، فى محاولة لترضية خصومه ، وهو ما أعتبرته حاضنته الإجتماعية إهانة لرجل ضمن 15 ألف صوت من أبناء الولاية خلال ترشحه لقيادة المجلس الجهوي، رغم الموقف المالى الصعب الذى كان يمر به ، والضغوط الحكومية التى واجهته ، والدعاية التى مورست بحقه من قبل عدد من رموز مجموعته القبلية ومناوئيه السياسيين.
ولم يحظ فى المقابل من انتزعوا صدارة المقاطعة بنصيب يقابل مابذلوه من جهود خلال الانتخابات الرئاسية، أو ماحصدوه من نتائج سياسية بالانتخابات المحلية. لقد شكل ظهور رجل الأعمال الشاب سيد الأمين ولد أميمه هزة فى المقاطعة المركزية (تمبدغه) ؛ وتمكن حلفه من اكتساح كل الدوائر المحلية وشكل رافعة حقيقية لمرشحي الحزب الحاكم للجهة ومرشحيه فى اللوائح الوطنية.
نال الحلف منصب أمين عام فى التعديل الأخير، وهو موقف تلقفه النائب سيد الأمين ولد أميمه وحلفه بقدر كبير من الحفاوة بحكم قيمة الشخص المعين (الدكتور محمد محمود ولد عبد الله) رغم الطموح المشروع بالحصول على منصب وزير مقارنة بالحالة التى أحدثها اجتياح الحلف لمقاطعة ظلت ممثلة فى كل الحكومات السابقة . ومع ذلك لايزال رموز الحلف وبعض نخبه الشبابية خارج أجندة النظام، ولعل موقع ذراعه اليمني وابن المقاطعة البارز أحمده ولد أعل ولد أعمر أفضل شاهد؛ حيث جمع الرجل بين الثقافة والتضحية والكفاءة مالم يجمعه غيره من أبناء المقاطعة، ولكنه ربما هو مشمول بقرار غير مكتوب لكنه من المعلوم من السياسة المحلية بالضرورة "صفر موظف فى مجموعته القبلية (أولاد خيره) " منذ الاستقلال إلي اليوم . ولم تتغير الصورة بالنسبة لأبناء مركز بوسطيله الإدارى ممن يحلمون بسماع صوت معين من أبناء المراكز داخل أحد اجتماعات الحكومة ولو فى منصب رئيس مصلحة !
وفى مقاطعة النعمة (العاصمة المركزية) يتربع العمدة شيخات ولد بلات على رأس المجلس المحلي ببلدية أنولل منذ عقدين من الزمن ، لكنه منصب لم يمنح صاحبه وهو الحاصل على شهادة عليا فى القانون مجرد مستشار بقطاع وزارى ، أو رئيس مجلس إدارة ؛ أو عقد عمل يعيش به ، وهو السياسى المنهك بفعل تحمل مسؤولية مجلس بلدي بالكامل، كانت إدارته لمجاله الترابى من أحسن التجارب فى الداخل ، بعدما حسم بعض المطالب الملحة لمن انتخبوه وعارضوه ؛ وخصوصا فى قطاعات حيوية كالمياه والتعليم والصحة ؛ لقد باتت سوق المجلس المحلى الأسبوعية مصدر استقرار للآلاف من سكان أنولل والمجالس المحيطة به، رغم ضعف الإستثمار الحكومى بالمنطقة خلال السنوات الماضية.
وهو نفس المصير الذى يعيشه ابن عمه محمد ولد أحماه الله منذ استهدافه وإقالته من منصبه خلال العشرية الماضية، رغم قوة المكانة السياسية التى أظهرها فى الإنتخابات الأخيرة ، بعدما خسر منصب نائب المقاطعة بالضغط والتحالف الموجه من قبل رموز السلطة لقتل أحلام الساكنة فى التغيير واختيار قادر على حمل هموهم وطرح مشاكلهم لدى دوائر صنع القرار .
لقد تجاوزت الحكومة الجديدة 100 يوم منذ تشكيلها بعد الإنتخابات الرئاسية الأخيرة ، وهي فترة قصيرة ، ولكن حجم الاختلالات القائمة منذ فترة، والشعارات التى حملتها اللجان السياسية المكلفة بالتحضير للإنتخابات الأخيرة؛ وضعف العديد من الدوائر التى أستثمر فيها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال المأمورية الأولى، أمور من بين أخرى تتطلب تصحيح الخلل بشكل سريع، والتجاوب مع مطالب السكان المطروحة، وأهمها التوازن والعدل والإنفتاح على الكل ؛ كي لاتكون دولة بين مجموعة من الأصدقاء الذين أحاطوا بالرئيس عشية انتخابه سنة 2019، ومازالوا يمسكون بأبرز دوائر التأثير فى البلد دون تأثير حقيقى على أرض الواقع فى المناطق التى ينتمون إليها.
#زهرة_شنقيط
#تابعونا