من الواضح أن الدكتور الشنقيطي كتب تدويناته عن الفقيه عبد الله بن بية وهو يغفل تماما السياق الموريتاني و ينظر فقط إلى السياق العام للأمة مغفلا العاطفة الوطنية ومنحازا للعاطفة الإيمانية والأخوية لأبناء الأمة بعيدا عن العصبية لبلاد المنكب البرزخي المتعطشة لأي أهمية شكلية سخيفة
حتى ولو جاءت على حساب الولاء لله ولرسوله والمؤمنين وتوسلت المكانة بالارتماء في أحضان اليهود والنصارى والمنافقين من حكام الأمة المنحرفين وحلفهم المجمع على رمي انتفاضة شعوب أمتنا عن قوس واحدة خصوصا في بلاد الشام وأكناف بيت المقدس.
إن الرأي العام الوطني في بلادنا يعيش على ذاكرة مكانة العلماء لأن العلماء الصالحين المصلحين المعلمين هم الذين شكلوا قديما هوية البلاد الشنقيطية وظلت هنات علاقتهم بالسلطة مغتفرة لأنهم تاج البلاد والعباد وإنما اكتسبوا ذلك بعلمهم وورعهم وتقواهم رحمهم الله.
ولا نزال نفتخر برحلة ولد اتلاميذ واستقبال البريطانيين للعالم الرباني ولد اطوير الجنة إثر عودته من الحج بمضيق جبل طارق بمراسيم الأمراء .. ولن ينسى التاريخ نضال ولد اتلاميذ وتاريخ تظلماته من تهميش المشارقة وتعصبهم ضدده.
ونظرا لهامشية البلاد فإننا نفتخر بأي اختراق يحققه عالم من علمائنا خصوصا إذا وصل للكبار لكن للأسف لم يلاحظ أنصار فقيهنا هذه المرة حجم الألم الذي خلفه موقفه الذي راح يُلغي سياق الكفاح والمقاومة من اهتمامه ويقدم ما يطلبه المستمعون في محفل ظالم يقوده جلادوا أمتنا المثخنة بالجراح.
إننا نحترم العلامة بن بية احتراما كبيرا والتيار الإسلامي الموريتاني هو من أعاد تسويق بن بية منتصف التسعينيات - بعدما لوثه تخندقه مع النظام البائد في أواخر عهد المختار رحمه الله - فأقام له المنابر والمحاضرات العامة واحتفى بفكره المنفتح على قضايا الأمة المتحفظ جُزئياً ونسبياً على سياسات النظام الرسمي العربي لذلك العهد فولج الرجل باب مجالس الإسلاميين وانتمى المنظماتهم وملتقياتهم وهيئاتهم وسوقوه للعالمية واغترف من فكرهم ليثري قاموسه الفقهي التقليدي الراكد وتتلمذوا له في الخليج وقدموه للتصدر من جديد لكن بعد ذلك عادت حليمة إلى عادتها القديمة فتخندق الرجل من جديد في معسكر الرسميين واجتذبه المخزن السعودي ووظفه لمحاربة جماعة القاعدة فكانت له حوارات ومجالي ودلالات واليوم ينقلب على الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين منخرطا في آلة ضاحي خلفان لمواجهة الإخوان مستفيدا من تلك التجارب السابقة وليس بن بية وحده في هذا التنكر لجميل التيار الرئيسي في الأمة.
فقد سبقه لهذا التنكر والجفاء آخرون يتحذلقون طيلة عقود في الإذاعة والتلفزيون يقدمون نظريات الاقتصاد الإسلامي وكأنها من ابتكارهم ويشرحون النظريات السياسية وتحرير المرأة وفقه الزكاة ويعلى آخر صوته ليتحدث عن تذكرة الدعاة ويصول آخرون مفسرين ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين بل وصل الأمر بندوات حقبة الرمضانيات في التسعينيات إلى محاربة هذه المدرسة التجديدية من خلال استخدام آليات قلب الأدلة ولكن "الحق واضح أبلج" مع ما في ذلك من اصرار على مخالفة القرآن "ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتم الحق وأنتم تعلمون"... ولكن لا تثريب في ذلك فقديما قال البرادعي صاحب تهذيب المدونة بعد ما اغترف من علم محمد بن أبي زيد وفتق بفتحاته ما رتق واستغلق من المدونة.
خُـذ الـعـلوم ولا تعبأ بناقلها = واقصد بذلك وجهَ الخالق الباري
إن الـرجـال كأشجار لها ثمرٌ = فـاجْن الثمار وخلِّ العود للنار
ذلك هو حال الخارجين من عباءة التيار الرئيسي في الأمة يشربون رحيقه وعذبه ثم ينثنون مفترسينه بأدواته المعرفية ومسالكه المنهجية ومبتكراته التنظيمية.
الشنقيطي مفكر رسالي يعيش هواجس واقع ومستقبل أمته المثخن بجراح الثورة المضادة التي مولها معتوه قاروني مختل استولى على خراج ركاز ثروات وأموال الأمة ووظفها لخدمة نزواته الشخصية كما فعل القذافي موظفا الآلة الدعائية لفقهاء تربوا على خدمة أعتاب النظم التسلطية الأحادية كالمستولي على لقب الإمام الأعظم في الأزهر والوزير الفقيه عفا الله عنه ...
العميل الغربي المعتوه بن زايد مشعل الحرائق مول انقلابا في مصر على شرعية الثورة وشرعية خمس انتخابات متتالية في مصر وحدها ..
ومول وخطط انقلابا فاشلا لخائن شهير في تاريخ المآسي الليبية عميل المخابرات الآمركية خليفة بالقاسم حفتر ثم دعم حراك "عملية الكرامة"العاثر .. وأخيرا وصلت موجته الحاقدة لتبدد سعادة اليمن ويمنه انتقاما من تيار شكل في العقود الأخيرة أهم تيار يصبر ويحافظ على حقن الدماء وتسكين الدهماء.. تيار الإخوان الذي يعتبر أهم تيار للفكر الوسطي المعتدل في العالم الإسلامي.
غباء بن زايد وعمالته للصهيونية العالمية دفعه في الأخير بعد تحطم أحلامه في مصادرة هذا التيار من حياة الأمة إلى ارتكاب أكبر خطأ استراتيجي من خلال تسليم الجزيرة العربية ومفاتيح حركة الملاحة في المنطقة للنظام الفارسي في إيران.
ثم انتبه إلى أن التيار الإخواني روح يسري في جسد وعقل هذه الأمة وأنه رغم الإجهاز عليه وإلحاق خسائر فادحة بمنجزاته السلمية في الربيع العربي لا يزال حيا يُرزق بل إن حظه في صولات وجولات قادمة من ما تعززه المؤشرات والتوقعات بل والحتميات التاريخية.
فقرر إنشاء أداة أيديولوجية قادرة على المنافسة الفكرية للتيار الرئيسي في الأمة وجمع دهاقينه وشرطه بدئا بخرفان مرورا بخلفان وانتهاء بخرقان حثالات من فقهاء محاريب السلط البائدة والمتصدرين الساعين لتوظيف الفقه والفتوى والعمامة في خدمة الديوان المتعطشين للبس السواد وأخذ الأرزاق .. والتقدم للأمة بخطاب يبكي على دم يوسف وقد رماه في الجب ويذرف الدموع على الفتنة وقد ولغ في دم عثمان.
وقد وجدت في سياق بحثي في التاريخ الأندلسي وصفا دقيقا من بن حزم لواقع ملوك الطوائف الذي يشبه إلى حد كبير واقع العالم العربي الراهن من حيث انقسام الأهواء واستقطاب الحكام الفاسدين لبعض الفقهاء يقول : الإمام محمد بن حزم:" وأما ما سألتم عنه من أمر هذه الفتنة وملابسة الناس بها مع ما ظهر من تربص بعضهم ببعض، فهذا أمر امتحنا به، نسأل الله السلامة، وهي فتنة سوء أهلكت الأديان إلا من وقى الله تعالى من وجوه كثيرة يطول لها الخطاب.
وعمدة ذلك أن كل مدبر مدينة أو حصن في شيء من أندلسنا هذه، ولها عن آخرها، محارب لله تعالى ورسوله وساع في الأرض بفساد؛ للذي ترونه عياناً من شنهم الغارات على أموال المسلمين من الرعية التي تكون في ملك من ضارهم، وإباحتهم لجندهم قطع الطريق على الجهة التي يقضون (1) على أهلها، ضاربون للمكوس والجزية على رقاب المسلمين، مسلطون لليهود على قوارع طرق المسلمين في أخذ الجزية والضريبة من أهل الإسلام معتذرون بضرورة لا تبيح ما حرم الله، غرضهم فيها استدام نفاذ أمرهم ونهيهم.
فلا تغالطوا أنفسكم ولا يغرنكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه [249/أ]، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المزينون لأهل الشر شرهم، الناصرون لهم على فسقهم. فالمخلص لنا فيها الإمساك للألسنة جملة واحدة إلا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذم جميعهم؛ فمن عجز منا عن ذلك رجوت أن تكون التقية تسعه، وما أدري كيف هذا، فلو اجتمع كل من ينكر هذا بقلبه لما غلبوا. . "
إننا نهنئ العلامة الفقيه على ما حقق من سلم حتى تراءت نارا المسلمين والكفار من أهل الكتاب ولكن لا ندري ما نحن فاعلون مع القرآن ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم أم أننا سنتجه لمراجعة المناهج لحذف ما يتعارض مع ثقافة السلم وإطفاء الحرائق ... وما الذي سنفعل مع براءة ..
بعد أسابيع من اندلاع انتفاضات الربيع العربي علق فضيلته بأنه يتأمل في تلك اللحظة موقف الجن .. "وإنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا" والسؤال المطروح هل ما أنجزته الثورة المضادة في مصر وليبيا واليمن هو من الرشد أم من الغي أم أن علينا أن نبحث عن مجتهد من الجن يأخذ بأيدنا إلى الرشد مادام مجتهدوا الإنس قد ابتلوا بالتيه .. حفظ الله شيخنا بن بية وشكر الله للدكتور الشنقيطي غضبته للحق أمرا بالمعروف ونهيه عن المنكر كما فعلها قديما عندما كتب مقالته الشهيرة؟ ليته سكت!.