أهم خمس وجهات سياحية في موريتانيا

تُشكّل السياحة في موريتانيا تجربةً فريدة ومثيرة للاهتمام بالنسبة إلى الراغبين في اكتشاف هذا البلد، الذي يُعتبر نقطة الوصل بين العالم العربي وإفريقيا السوداء، ويتميّز بتنوّع المناظر الطبيعية بصحرائه الشاسعة، وتضاريسه الجبلية، وشواطئه الخلابة على ساحل المحيط الأطلسي، فضلاً عن الوديان والواحات التي تتناثر في جوف الصحراء الموريتانية، والحدائق والمحميّات الطبيعية، والمدن القديمة، التي شكّلت في الماضي محطةً رئيسية على طريق القوافل التجارية في العصور الوسطى. كذلك تتميّز موريتانيا بتنوّع مكوّناتها العرقية، التي امتزجت مع مرور الزمن، فكونت بثقافاتها الغنية والمتنوعة خليطاً من الثقافات العربية والبربرية والإفريقية. فإذا أردتم زيارة موريتانيا نقدم لكم 5 من أهم المناطق السياحية فيها التي عليكم اكتشافها.

 

 مدينة ولاتة التاريخية: بوابة الصحراء

 

 عُرفت هذه المدينة قديماً ببوابة الصحراء، وتقع في محافظة الحوض الشرقي جنوب شرق موريتانيا، على بُعد 400 كيلومتر من مدينة تيمبكتو الأثرية في مالي.  تأسّست ولاتة في القرن الخامس ميلادي لتُصبح أحد أهم مراكز الإشعاع العلمي والديني في منطقة الصحراء الكبرى. ولا تزال هذه المدينة تحتضن إرثاً تاريخياً ثرياً في نمطها العمراني الفريد، الذي ظلّ يحافظ على طابعه المميز، وهو مزيج من النمط الأندلسي، وهندسة قصور الصحراء الصامدة في وجه الظروف الطبيعية والمناخية القاسية.

 

شُيدت المنازل العتيقة في هذه المدينة من الحجر الجيري، ويغطي جدرانها الطين الأحمر، وتستقبلك مداخلها الرئيسية بالرسوم والزخارف الملونة. أما الجدران الداخلية، فتزينها الرسوم والكلمات المنقوشة بالخط العربي، بينما صُنعت أبواب المنازل من خشب السنط الأحمر الأصلي، وتؤطرها زخارف ورسوم وأقواس وأشكال هندسية باللون الأبيض. ولمنازل ولاته التقليدية ممرات طويلة، تفضي إلى الساحة الداخلية للمنزل الذي عادةً يتكوّن من طابقين.  تضم ولاتة مركزًا سياحياً يُقدّم الصناعات التقليدية وعناصر الثقافة المحلية، وتحتضن متحفاً للمقتنيات والأدوات التقليدية النادرة، كما لا تزال مكتباتها تحتفظ بعشرات الآلاف من المخطوطات التاريخية الأصلية، التي ترجع إلى عهد الفتوحات الإسلامية في شمال إفريقيا.

 

ويحافظ السكان المحليون على تقاليدهم وثقافاتهم المتوارثة في الأزياء ونمط العيش والنظام الغذائي، ما يمكّن الزائر من التعرف إلى نمط حياة بدو الصحراء على هذه الأرض منذ آلاف السنين.

 

 المحمية الوطنية لحوض آركين: جنة دنيوية

 

 بين الرمال الذهبية الناعمة وأمواج المحيط الأطلسي الهادئة الزرقاء، تمتدّ هذه المحمية على طول 180 كيلومتراً، على الطريق الرابط بين عاصمتي موريتانيا. وتشكّل بتنوعها البيئي والطبيعي إحدى أهم المحميات البيئية، وأكبر مصائد الأسماك حول العالم. كما يعتبر حوض آركين ملجأً طبيعياً تهاجر إليه سنوياً ملايين الطيور من سيبيريا وشمال أوروبا وغرينلاند.

 ويوفّر بمناخه المعتدل ومياهه وبيئته الساحلية المعتدلة مكاناً مناسباً لنمو وتكاثر الأحياء البحرية خلال مواسم التزاوج، وتوجد فيه أنواع نادرة من الكائنات البحرية كالدلافين والعقارب البحرية وسمك البوري الأصفر، وسمك السلّور والسلاحف البحرية وغيرها. فضلاً عن ذلك، يوفّر حوض آركين للسياح تجربةً فريدةً في الصيد بالقوارب الشراعية، أو الصيد على الأقدام بالأدوات والطرق البدائية التي يتّبعها السكان المحليون (إيمراكن)، للمحافظة على تنوع المنطقة البيئي. كما يمكنكم التعرف إلى الأصناف النادرة من الثدييات البحرية وأنواع الطيور المختلفة. ونظراً لأهميته في حفظ التوازن البيئي على الكوكب، صنّفت اليونسكو محمية حوض آركين عام 1989 ضمن قائمة التراث العالمي.

 

مدينة شنقيط: عيون الخيل

 

 كلمة شنقيط تعني بلغة البربر عيون الخيل، ويعود تاريخ تأسيس هذه المدينة إلى القرنين 11 و12، وكانت ملتقى طرق لقوافل الحج ومركزاً للتبادل العلمي والمعرفي بين إفريقيا والعالم العربي. لا يزال مسجد شنقيط شاهداً حيّاً على الأهمية الحيوية لهذه المدينة، التي اتّخذت منها البلاد شهرتها، فأصبحت موريتانيا تُعرف ببلاد شنقيط. 

 

سوق شنقيط العتيق يلبّي حاجات الزوار والسياح الذين يحرصون على اقتناء المنتجات المحلية من منسوجات وسجّاد ومجوهرات وصناعات يدوية متنوعة. 

كما تضمّ المدينة بيوتاً تراثية مفروشة بالسجاد والحصائر، تحوّلت إلى فنادق صغيرة، تقدّم أشهى الوجبات المحلية، من لحم الأغنام الطازج والتمور والأرز والكسكس، وغيرها من أطباق هذه المنطقة الصحراوية التي تمنح زائرها شعوراً بالراحة والسكينة.

 

 وادان: متحف في الهواء الطلق

 

  هو أحد الحصون التاريخية القديمة، يقع على مسافة 120 كيلومتراَ من مدينة شنقيط، ويشكّل مركزاً تجارياً حيوياً على طريق القوافل خلال القرون الوسطى.

 تتميّز المدينة بنمطها المعماري الخاص، ولا تزال بعض أحيائها القديمة موجودة، وجانب من سورها قائماً حتى اليوم، بينما طمرت الرمال المتحركة جزءاً هاماً من المدينة القديمة.  الشوارع والمنازل والحارات القديمة وقصور الآباء المؤسسين، والمكتبات التي تضمّ ملايين المخطوطات النادرة، كلّها شواهد على عصر الازدهار الاقتصادي والعلمي، الذي شهدته هذه المدينة عبر تاريخها الطويل. وتحتفظ ذاكرة سكان هذه المدينة بجزء مهم من التراث الشفوي الموريتاني، كالشعر والموسيقى والقصص الشعبية، التي شكّلت في الماضي وسيلة لتناقل المعارف والتجارب بين الأجيال، واليوم أتاحت المهرجانات الثقافية التي تنظم دوريّاً في المدن القديمة فرصة لإحياء هذا التراث.

 

 تطلّ مدينة وادان التاريخية من قلعتها الشاهقة على واحات النخيل والبساتين، والحقول والمنابع المائية، التي تقع عند سفح الهضبة. وخلال شهري يوليو وأغسطس، يحلّ موسم قطاف التمور، أو موسم "الكيطنة"، فيتوافد السياح للاستمتاع بتناول أنواع التمور المحلية وتناول المشروب الأول في موريتانيا، والشاي بنكهة النعناع، مع الأطباق التقليدية تحت ظلال الخيام بين الواحات الخضراء وينابيع المياه.

  وقريباً من هضبة وادان، توجد إحدى أغرب الظواهر الجيولوجية حول العالم، وتعرف بـ "عين الصحراء" وهي حفر صخرية رسوبية دائرية يبلغ قطرها 30 ميلاً، تنبثق من عمق الرمال، وتحيط بها هالة زرقاء تظهر في الصور الجوية على شكل عين إنسان. وترجع بعض الدراسات هذه الظاهرة إلى سقوط نيزك ضخم من الفضاء واصطدامه بكتل صخرية، أنتج هذا الشكل الغريب.

 

حديقة جاولينغ الطبيعية: جنة دنيوية

 

 على ضفاف نهر صنهاجة، نهر السنغال، الذي يغذّي دولاً إفريقية عدّة بمياه الشرب والرّي، وفي عمق الأراضي الزراعية الخصبة عند مصبّ النهر في المحيط الأطلسي، تقع حديقة جاولينغ الطبيعية في ولاية أتراززه على الجانب الموريتاني من الحدود مع دولة السنغال.  وحول الحديقة تتدفق الشلالات من الوديان والبحيرات، فتشكّل روافد مائية تحيط جوانبها النباتات والعشب والأشجار، والجروف الصخرية التي تعلوها الكثبان، وتتناثر حولها قرى الصيادين والمزارعين وترعى بينها قطعان المواشي. 

 

تضم حديقة جاولينغ الطبيعية 250 نوعاً استثنائياً من الطيور، من بينها طائر مالك الحزين، واللقلق، والبلشون الأبيض، والنعام والأوز والبط البري والمائي، وأنواع متعددة من الحيوانات والكائنات البحرية، وتمثل نموذجاً حيّاً عن الحياة البرية في غرب إفريقيا.

عبد الله البو /رصيف 22