تعيش وزارة الشؤون الإسلامية منذ أسابيع علي وقع شبح الفراغ الرهيب، في ظل تقاعد العديد من أطرها، وعجز آخرين عن القيام بالمهام المسندة إليهم، وتصاعد الصراع بين الكتل الجهوية الممسكة بها منذ بداية المأمورية الأولي للرئيس.
ورغم تغيير ولد عبد العزيز لهرم الوزارة أكثر من مرة من خلال الدفع بوزراء جدد كلما استفحلت المشاكل، إلا أن الأزمة ظلت سارية بفعل قوة الفاعلين الجهويين، والتحالف القبلي المهيمن عليها، بدعم من مراكز تأثير ونفوذ أخري، لاتزال اكبر عائق أمام أي اصلاح داخل القطاع الذي يشكل "واجهة أخلاقية" للجهاز التنفيذي، رغم تضرره كثيرا خلال الفترة الماضية بفعل قوة الصراع بين مسيريه والشجار مع المستفيدين من برامجه، وقلة الشفافية في بعض القطاعات الرئيسية فيه.
وقد شهدت الوزارة اختلالات كبيرة كان أبرزها تمهيش الأمين العام للوزارة ابان فترة الوزير أحمد ولد النيني، وسحب صلاحياته لثلاثة من أبرز مساعدي الوزير هم :
(1) سيدي محمد ولد الشواف الذي ظل يسير ملف الحج دون رقابة أو وصابة من الامانة العامة للوزارة
(2) محمد الهادي ولد الطالب الذي كلف بتسيير ملف افطار الصائم خلال الفترة الماضية
(3) سيدي محمد ولد صالح الذي كلف بتسيير مشروع التعليم الأصلي في المناطق الأقل حظا
وقد كان لافتا خلال الفترة المنصرمة اقتطاع الوزير لكل واحد من المشاريع ميزانية خاصة تناهز في الغالب 500 مليون أوقية، يتم صرفها دون توقيع من الأمين العام أو مراقبة منه، وفي بعض الأحيان دون حضور محاسب أو رقيب من المالية.
وقد حاول الوزير الجديد فك ارتباط المسنشارين الثلاثة والمشاريع المعلنة، وهو ما عصف باستقرار ساحة الأئمة لبعض الوقت، ودفع بالبعض إلي التظاهر أمام الرئاسة والبرلمان والعدل والشؤون الإسلامية، وربما تكون مساعي تدويل الأزمة قائمة من أجل عودة أبرزها وهو مشروع افطار الصائم الذي وصفته دوائر وزارة المالية والشؤون الإسلامية بأنه أحد أبرز أوجه الفساد في الوزارة خلال الفترة الماضية، وأحد أشنع مظاهر الاحتقار التي يعاني منها الأئمة في الساحة المحلية.
ولم يستطع الوزير الجديد والذي سبقه فك ارتباط مشاريع أخري بشخصيات أخري، بعد أن ظلت 10 مراكز حيوية بالوزارة تسير من مساعدي أحد الوزراء الذين أداروها قبل عشر سنوات، في مشهد يكشف هشاشة النظام القائم، وعجزه عن احداث تغيير جذري في الدوائر الإدارية، أو اعادة هيكلة بعض القطاعات الوزارية المتخمة بالفساد والموصومة بالعجز.
وتتولي المجموعة المذكورة عدة مناصب أبرزها :
(1) ادارة المساجد
(2) الجامعة الإسلامية بلعيون
(3) ملف التعاون الدولي
(4) الملف القانوني
(5) الشؤون الأسلامية
(6) التكوين المهني للمحاظر
(7) معهد كيفه
مع بعض المكلفين بالمهام، ممن يوصفون اليوم بأنهم عاطلون عن العمل في ظل انعدام الثقة بين الطاقم المسير للمؤسسات المذكورة والوزير الجديد، أو بعضهم علي أصح تقدير.
البحث عن محايدين
وقد سعي الوزير الجديد لدي تسلمه للوزارة في استحداث مناصب جديدة للإفلات من قبضة المجموعة المسيرة للوزارة منذ عقد من الزمن، مع انتداب أشخاص من خارج دائرة الصراع، لكنها حركة ظلت محدودة وغير قادرة علي تحريك الملفات الكبيرة، رغم التقدم الذي اعلنته الحكومة في ملف الحج هذا الموسم.
وشكل تعيين محمد المختار ولد امسيعيد مديرا للحج، ومحمد الأمين ولد الشيخ أحمد في التوجيه الإسلامي،ومولاي أحمد ولد الشيكر علي ادراة المحاظر خروجا عن نسق التعيينات المعهود بالوزارة، بحكم أنها أول مرة يتم فيها تعيين مدير مركزي في إدارة مهمة داخل وزارة الشؤون الإسلامية من خارج ولايتي لعصابة و تكانت خلال العشرية الأخيرة.
كما استعاد الأمين العام مع الحركة الجديدة صلاحياته المسلوبة، لكنه حاول هو الآخر سلب مديري المؤسسات التابعة لهم بعض الصلاحيات المنصوص عليها، ربما انتقاما لنفسه من أيام سلفت، أو تكريسا لظاهرة تحكم اغلب سلوك الموريتانيين ( مظلوم او ظالم) وهو ما أثار بعض الاشتباك داخل الوزارة ، حسم في النهاية لصالح المؤسسات المذكورة والقائمين عليها.
وقد بدت التجربة مشجعة – كما تقول مصادر زهرة شنقيط- لكنها غير كافية، بل كاشفة لمحدودية الدور المتاح لوزراء الحكومة داخل القطاعات الوزارية ، في ظل حكم يتسم بمركزية الأمور ، وتحكم المنطق القبلي والجهوي وتثير كبار الضباط والنافذين في صنع قراراته المهمة.
لامركزية بدون آليات عملية
وقد حاولت الوزارة خلال الفترة الأخيرة رفع شعار اللامركزية في ملف الحج، ودفعت بكافة أتعابه للداخل، مع احراج للقائمين علي مكاتبها الجهوية، لكن دون آليات عملية، فمجمل الإدارات الجهوية للتعليم الأصلي لاتتجاوز ميزانية كل واحدة منها مبلغ مليون أوقية، وهو ما لايكفي لسد فراغ ولا يمنح القائمين عليها فرصة للمساهمة بأي مجهود سوي كتابة تقرير فصلي عن جمود تعرف أسبابها، دون أن يتمكن مجمل الوزراء السابقين من حلها أو لفت انتباه الرئيس اليها.
وقد أدي الأمر بالإدارات الجهوية إلي العزوف عن تنظيم أي نشاط واستغلال البعض منها للموارد الموجهة للأئمة والمحاظر من أجل تسيير أموره اليومية، والتطفيف في تسيير الأنشطة التي تتولي الوزارة اقرارها، بغية تسيير الأمور والمحافظة علي هيبة جهاز حكومي لم يحافظ عليها صناع القرار في العاصمة .
هيكلة ملحة وفراغ مستحكم
وتبدو وزارة الشؤون الإسلامية بحاجة ملحة إلي اعادة الهيكلة ، وتغيير جذري في بعض المؤسسات التابعة لها، والإدارات المركزية، في ظل العجز المتصاعد للبعض، وشبح الفراغ الذي ساهم فيه تقاعد العديد من أطرها البارزين.
ومن أبرز المتقاعدين داخل القطاع الآن :
(1) المفتش العام للوزارة محمد المختار ولد صمب
(2) مدير المؤسسات محمد ولد المحبوبي
(3) المدير المساعد لمحو الأمية المختار ولد ودو
(4) المدير المساعد للمحاظر محمد عبد الله ولد خطري
(5) رئيس مصلحة بادارة المساجد المصطفي ولد السيد
وربما يكون المستشار الإعلامي للوزارة ضمن لائحة المتقاعدين، وهو مالم تتأكد منه زهرة شنقيط.
وتبدو حاجة القطاع لحراك يعيد له بعض الهيبة ضرورة ملحة، كما أن الوزير الذي ادار القطاع لأكثر من 13 شهرا بحاجة إلي التصرف كوزير، واعادة تفعيل المؤسسات العمومية التابعة له، والمراكز الحيوية للمساهمة في الرفع من قدرة الدولة على مواجهة أخطار البطالة والأمية، والدفع بأطر قادرين علي حمل المسؤولية وتنقية القطاع ممن اهانوا سمعته، وأكلوا أمواله، ولم يقدموا للشؤون الإسلامية ماهو جدير بها طيلة العقود الماضية.