كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر مساء الأربعاء 25 نوفمبر، وكان رجال الأمن عند المدخل الشرقى يسابقون الزمن من أجل تفتيش العربات المتجهة نحو المدينة المرتمية فى أحضان المحيط الأطلسى، مع الشعور بضغط كبير جراء الحجم المتزايد للوافدين من مدن الداخل.
تبدو قوات الدرك بصرامتها المعهودة عند نقاط التفتيش، تدقيق مبالغ فيه فى هويات الركاب، وصعود متكرر على ظهر المركبات المتجهة نحو نواذيبو، وتفتيش دقيق لمجمل "الرسائل" المتجهة نحو المدينة، مع شعور ممض بالإرهاق تبدو ملامحه واضحة على جبين الضابط المشرف على النقطة الواقعة بين " الشامى" وبلنوار.
عند المدخل الشرقى للمدينة تحافظ وحدة الشرطة على سلوكها المعتاد، لقد انتقت ثلاثة سينغاليات من مجمل ركاب الباص واقتادتهن إلى المخفر المتواضع من أجل التسجيل، لكن مع غرامة مالية بلغت " ألف أوقية لكل سينغالية"، وهو سلوك لم يعهده الأجانب منذ فترة، لقد انتقدوا الخطوة بشكل كبير، وتعهدت احداهن بلغة حسانية ركيكة بتقديم شكوى للرئيس "عزيز" خلال العرض المقرر يوم الثامن والعشرين نوفمبر..
دفع الفلوس عند نقاط التفتيش سلوك يشكل مصدر ازعاج لكل الوافدين!.
عسكرة المدينة
عند الحنفية السادسة تبدو الأمور مغايرة، لقد اعترضت سيارات الدرك مجمل الوافدين من الداخل، وغيرت مسار كل الرحلات باتجاه طرق رملية فرعية، لقد احتل آلاف الجنود الشوارع فى استعراض ليلى يثير اهتمام مجمل السكان.
بدت العاصمة الاقتصادية نواذيبو شبه مشلولة، واختفت انسابية الحركة التى كانت تميزها عن بقية المدن، لقد اغلق الجنود مجمل الطرق الفرعية المؤدية إلى الشارع الرئيسى (شارع أنيمروات)، وباتت الحركة عبره خلال ساعات المساء حكرا على الجنود القادمين من أدغال الصحراء أو القطع العسكرية الوافدة من العاصمة نواكشوط، بينما ينتشر الآلاف من سكان المدينة إلى وقت متأخر من الليل على الرصيف المجاور، وتعلو المنطقة من وقت لآخر "زغاريد" مفتونات بعرض الجيش واستعراضه، أو متطلعين لرؤية قريب داخل احدى الوحدات العسكرية أو صديق منحته القيادة العامة للجيوش فرصة المقام بالخليج الهادئ بعد أن ظلت مرابعه الصحراء أو معسكرات الجيش على الحدود.
ورغم الشقة البادية على الأنفس يبدو السكان فى تناغم تام مع الواقع الجديد، فحراك الجيش الذى يثير مخاوف الساسة، ويزعج الجوار الإقليمي يشكل مصدر ارتياح لدى ساكنة المدينة والوافدين إليها، كما أن الحركة التجارية بالمنطقة ازدهرت بشكل غير مسبوق خلال الأسابيع الأخيرة، لقد انتعشت كل المناطق التجارية، حتى الحرف المهنية بات أصحابها اليوم فى سباق مع الزمن من أجل حسم المعركة قبل انفضاض الجمع ورحيل الجيش.
لقد بدت نواذيبو خلال الساعات الأخيرة منهكة القوى بفعل الضغط الذى لم تعشه فى تاريخها، ساهرة مرحة فى نفس الوقت فى انتظار الذكرى الخامسة والخمسين لعيد الاستقلال والعرض الذى وعدت به الأركان العامة للجيوش.
زهرة شنقيط /نواذيبو / 26 نوفمبر 2015