عملية الأركان العامة للجيوش .. والرسائل الصادمة ! (مقال)

شكلت عملية اقتحام ادارة تابعة للأركان العامة للجيوش فجر الخميس 31 دجمبر 2015 بمقاطعة السبخة فى نواكشوط الغربية واختلاس الأموال المركونة فيها تطورا كبيرا للجريمة، وخروجا عن المألوف من تعامل الجنود مع الجيش الذي يخدمون فيه.

ورغم أن الأمر – كما يقول قادة المؤسسة – قضاء وقدر-، إلا أن الحقيقة الصادمة للجميع تدفع باتجاه إعادة النظر فى واقع البلاد الصعب، والسياسة الأمنية المتبعة حاليا من طرف وزارتى الداخلية والدفاع بحكم تطور الجريمة وتنوع المخاطر الناجمة عنها.

 

ولعل الرسائل المستخلصة من العملية كثيرة وأبرزها :

 

(1) ضعف التكوين لدي النخبة المكلفة ببسط الأمن داخل العاصمة وخارجها، وتعاملها مع عصابات الجريمة بعقلية بدوية محضة. فلأول مرة يتم تنويم حراس ثكنة عسكرية أو مؤسسة رسمية بهذا الشكل، ولعل الدافع الأول لهذه العملية هو الجوع من جهة والثقة العمياء فى العاملين داخل المؤسسة من جهة أخري، إذ كيف لحارس مستأمن على أموال الناس ووثائقها، وبدلات الجنود ذات الطبيعة الحساسة، أن ينخرط فى صحبة قد تقوده إلى النوم عن المهمة الموكلة إليه أو تمكن متربصا به من تنفيذ مخططه بكل سهولة ويسر، وماذا لو كان الفاعل عصابة ارهابية وكان هدفها سرقة ثياب عسكرية أو أسلحة أو معدات ثقيلة معتمدة على اختراق جزئي للجيش.؟

 

(2) ضعف المراقبة الأمنية: إذ أن مؤسسة عسكرية حساسة بهذا الشكل، وداخل محيط اجتماعى مختلط، وفى عمق العاصمة نواكشوط الخارجة جزئيا عن سيطرة الأمن، تكون محروسة من قبل شخصين أو ثلاثة ودون مداومة من ضابط رفيع أو دورية متابعة لسلوك العاملين فيها، كما أن الجهاز الأمنى المكلف بالمقاطعة (السبخة)، كيف يقنع الرأي العام بجديته فى مواجهة الجريمة، وقدرته على احباط مخططات تستهدف الأمن العام، فى وقت يتحرك فيه اللصوص داخل حيزه الجغرافى، وهم يحملون خزائن النقود الملأي من محيط عسكرى بالكامل، فيه مقر المقاطعة والأطفال الصغار المنخرطين فى ثانوية الجيش، ووزارة الطاقة ذات المكانة المرموقة، ووزارة النقل ووثائقها الحساسة دون أن يكون له موقف أو يتدخل لاحباط العملية أو يبلغ عنها بعد الوقوع بساعة أو ساعتين؟.

 

(3) تطور عمليات اختلاس الأموال الموجهة للجيش، فبعد أن ظلت تختلس من طرف المكلفين بالتسيير داخل وزارة الدفاع أو كبار الضباط انتقلت عملية اختلاس الأموال إلى صغار الجند، ولكل فرد طريقته الخاصة وتدبيره الذي يوصله إلى الهدف المنشود، مستفيدا من ضعف المتابعة فى البلد وقوة النفوذ الذي يتمتع به صاحب المال، بغض النظر عن التهمة الموجهة إليه.

إن العملية يجب أن تؤسس لوعي أمني حقيقى بالمخاطر الناجمة عن عمق التحول الذى يشهده المجتمع، وأن تدفع الأركان والداخلية لاعادة النظر فى السياسة الأمنية المتبعة، فالإنفلات الأمنى اذا استمر سيدفع الجميع ثمنه للأسف الشديد، ولعل الثمن المعنوي أقوي وأخطر.

كما أن الرئيس وهو يعود من رحلته الشتوية فى أدغال تيرس زمور مطالب باعادة تفعيل المنظومة الأمنية بالبلد، فالمخاطر القائمة تشى بعمق الحاجة لمؤسسات أمنية فاعلة.

 

سيد أحمد ولد باب / كاتب صحفي