عاشت الجمعية الوطنية اليوم الخميس 7 يناير 2016 على وقع سجال قوى بين نواب المعارضة والأغلبية ، خلال نقاش التقرير السنوى للوزير الأول يحى ولد حدمين.
وقد شهدت الجلسة طرح مجمل القضايا، رغم هيمنة الصراع الدائر حول المحاظر على أبرز فقراتها، مع تصفية حسابات داخل الأغلبية خلال النقاش المثير.
وهذه أبرز النقاط التى تم طرحها خلال الاستعراض السنوى لعمل الحكومة :
(1) حرص الوزير الأول على التأكيد بالفعل على انجاز حكومته لمجمل الأنشطة التى تعهد بها فى الخامس من يناير 2015 ، مؤكدا أن كافة الأنشطة المقررة انجزت، وأن بعض القطاعات الوزارية قامت بأكثر مما تم تقريره فى التقرير المقدم للبرلمان ضمن الخطة الثلاثية.
(2) غابت فقرات كثيرة عن النقاش والتداول بفعل هامشية القطاعات المكلفة بها أو عدم دخولها ضمن حيز اهتمام النواب، حيث تم تجاهل القطاع الثقافى، ولم يناقش الأداء فى المجال الرياضى، وغابت النقاشات الحادة فى ملف الخارجية، وتم تجاهل التعليم العالى، والوظيفة العمومية والأمانة العامة للحكومة، وحضرت قطاعات أخرى بشكل كبير داخل النقاش، حيث تصدرت الشؤون الإسلامية والصحة والمعادن والتهذيب والمياه والبيئة والنقل القطاعات التى تم استعراضها داخل البرلمان.
(3) تناول نواب المعارضة عدة نقاط بارزة، استدعت تدخل الوزير الأول والرد عليها، مع الوقوف مع ملاحظة قدمها النائب القاسم ولد بلال، بينما اكتفى الوزير الأول فى رده على الطلبات الخاصة لنواب الأغلبية بالقول إن باب مكتبه مفتوح وإن الوزراء أيضا لديهم كامل الاستعداد لنقاش تلك القضايا والطلبات مع مختلف النواب.
(4) ظل الترحيب بالوزير الأول طيلة النقاش مطروحا، وتجاوز البعض الأدبيات المتعارف عليها من خلال الترحيب به ترحيبا يليق بمقامه "الإجتماعى"، وهو ما أثار امتعاض البعض، خصوصا وأنه صادر من جهة يفترض فيها النظر إلى كافة الأعراق والقبائل والفئات نظرة متساوية، وفى جلسة يديرها أحد الأرقاء السابقين!.
(5) اختار بعض نواب الأغلبية لعب دور المتحدث باسم الحكومة، بينما كان آخرون أكثر لباقة وأقرب لمنطق العقل، مدافعين عن الحزب الذى ينتمون إليه والمشروع الذي يتبنون، لكن تصريحاتهم ظل موزونة، وخصوصا فى ملفات شائكة مثل القرآن ومشاكل الشغيلة والقطاع الزراعى.
(6) طرح نواب حزب تواصل عدة قضايا مثل مسألة المحاظر والأمن فى العاصمة وملف الجيش والعبودية ومخاطر التلوث البيئى ووضعية مراكز الصحة، وطالبوا بإعادة النظر فى الوضعية الحالية للسكان.
(7) ارتفعت أصوات نواب حزب التحالف الشعبى بقوة ضد الظلم والعبودية وغياب المساواة، وطرحت قضية الأراضى الزراعية فى الضفة بقوة، وغاب ملف المعتقلين السياسيين عن دائرة النقاش خلال الجلسة.
(8) ارتفعت وتيرة المطالب الخاصة خلال الجلسة، وطالب البعض بتعزيز الجهود المبذولة لصالح المنمين فى الحوض الغربى، وطالب آخرون بمشاريع تنموية فى الحوض الشرقي، وانتقد آخرون التهميش الذي يتعرض له سكان لعصابه، وتفاخر آخرون بمنجزات الحكومة فى غيدي ماغه، وانتقد البعض تسلط المقربين سياسيا من الرئيس وغياب المحاسبة الفاعلة فى بعض الدوائر الحكومية.
(9) حرص رئيس البرلمان محمد ولد أبيليل على ادارة النقاش على غير العادة، رغم وجود نوابه، وكان كلما حزبه التعب نادى على النواب بضرورة رفع الجلسة للصلاة.
كيف تعامل الوزير الأول مع الأسئلة؟
حاول الوزير الأول يحى ولد حدمين الظهور بمظهر الهادئ غير المتنرفز من تصريحات النواب، أو الاتهامات الموجهة لحكومته بالفشل وسوء التسيير.
(1) أكد ولد حدمين على مشروعية العمل المقام به من أجل ضبط المحاظر، حماية لها، وقلل من شأن الحملة الحالية، رغم إيحائه بأن القرار صادر من القطاع الوصى لا الحكومة أو الرئيس، وأنه مجرد اجراء تنظيمى ليس إلا.
(2) أعطى ولد حدمين رسالة إيجابية للمراكز من خلال التأكيد على امكانية الحصول على الترخيص فى أسبوع مع ضرورة تقديم عرض عن البرامج والتمويل والقائمين عليها.
(3) حاول الوزير الأول التغطية على فشل الأجهزة الأمنية، والظهور بمظهر رجل الدولة القوى، قائلا إن السجين الفار سيتم اعتقاله مهما حاول التخفى أو الفرار من قبضة الأمن، مذكرا بأن ثلاثة سجناء فقط فى تاريخ السجون الموريتانية قد تمكنوا من الفرار.
(4) رفض الوزير الأول الاستسلام للرؤية المطروحة بشأن فشل الأجهزة الأمنية فى اعتقال أصحاب الجرائم الضالعين في الأحداث الأخيرة، مؤكدا للرأي العام وجود كافة الضالعين فيها خلف القضبان، رغم أن الأجهزة المختصة لما تلق القبض علي العديد من المتهمين فى الملفات المذكورة.
(5) حاول ولد حدمين تحويل الخطئية إلى منجز، والخطأ إلى فاعلية، حينما غير من نظرة البعض للاعتقالات الجارية فى صفوف بعض الأجانب فى نواذيبو، قائلا إن ماحصل لايعتبر خرقا أو ضعفا، بل انتصار لدولة القانون وعقلية المحاسبة والصرامة.
(6) ذكر ولد حدمين المطالبين بقضية أراضى درا البركة بأن المنطقة التى يسكن فيها الزنوج (دون لفظ الكلمة) أراضى موريتانية، وأن كدية الجل لم تستطع أي أسرة تأميمها، والعاصمة نواكشوط لم تقبل الدولة بأن تظل حكرا لأسرة، وأبناء كيهيدي فى أزويرات يتمتعون بثرواتها، ومن الطبيعى أن يتمتع بقية الموريتانيين بثروات كيهيدي والعاصمة والحوضين، ضمن معادلة يستصحب القائمون عليها سيادة البلد، ومصالح السكان المحليين، قائلا إن الحكومة اوفدت إليهم عقلاء، ناقشوا الملف وإن الأمور تمت تسويتها بالكامل، كما هو الحال بالنسبة لملف الزنوج المسفرين 1990.
(7) دافع باستماتة عن الوضع الاقتصادي للبلد، معززا كلامه بأرقام الخزينة ومعلومات المالية، ودافع عن القطاع الصحى والعمل المقام به داخل القطاع الأكثر حيوية بموريتانيا وفند دعاوي مناهضي السياسة المتبعة فى القطاع الزراعى.
(8) استغل بشكل جيد قصة اعتقال منتحلى صفة برومانيا للإيحاء بأن دعاة حقوق الإنسان مجرد متاجرين بملف العبودية، كما حاول التخلص من ملف المعتقلين على أساس ممارسة العبودية فى الحوض الشرقي، معتبرا ماحصل انجازا يحسب للدولة الموريتانية، باعتباره عملا مورس خارج أراضى الجمهورية، وقد اثبتت الأجهزة الأمنية والقضائية جدية الحكومة فى محاربة كل أنواع الجرائم بما فيها الجرائم المتعلقة بالعبودية.
لكن الأطرف هو ماختم به الوزير الأول فى اهانة صريحة لنواب الأغلبية – ربما دون قصد- حينما رد على اطروحة مناوئيه، قائلا "أصحاب القضايا الخاصة، أبوابنا مفتوحة والحكومة أيضا مستعدة للنظر فى القضايا التى تمت اثارتها والمشاكل التى طرحتم خلال الجلسة".