وجه 41 قاضيا رسالة مشتركة للرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز بوصفه رئيس المجلس الأعلى للقضاء يطالبون فيها الغاء قرارات وزير العدل الأخيرة التى اتسمت بخرق القانون والمحاباة والإساءة للسلطة القضائية بشكل غير مسبوق فى تاريخ البلد.
وذكر القضاة فى الوثيقة التى اطلعت عليها زهرة شنقيط اليوم الأربعاء 23 مارس 2016 الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز بقراره القاضى بتوقيف الترقيات داخل سلك القضاء فى الفترة مابين 2009-2014 فى انتظار وضع معايير واضحة وشفافة، معربين عن تثمينهم للحرص الذى أبداه خلال الفترة الماضية والأوامر الصريحة لوزراء العدل بضرورة ترجمة التوجه إلى قانون، وتعديل النظام الأساسى للقضاء، ومراجعة نظام المعادلة الذى أعاق انسابية تقدم القضاة طيلة العقود الماضية.
وقال القضاة فى المذكرة الموجهة للرئيس إن وزير العدل ابراهيم ولد داداه فاجئ الجميع بقراره الذى لم يحترم القواعد التى كانت محل انتقاد فى القانون النافذ، أحرى ماكان منتظرا من معايير عادلة وشفافة.
تذكير بالنصوص التى تم التلاعب بها
وقال القضاة فى المذكرة التى حصلت عليها زهرة شنقيط إن الترقية بالنسبة لأي موظف عمومى هي المبتغى والهدف الأسمى الذى يسعى إليه عبر البذل والاجتهاد والجد والتفانى فى العمل، وبالتالى فهي بالنسبة إليه حق مقدس كما نصت على ذلك المواثيق والمعاهدات الدولية والقوانين الوطنية.
وقد تناول النظام الأساسى للقضاء حقوق التقدم والترقية فى الفصل الثالث تحت عنوان التقييم والترقية فى المواد 24،25،26،27،28،29،30،31، جاعلا من التقييم الطريق الوحيد للترقية والتقدم.
ويتم التقييم وفق إجراءت واضحة، لم يدع المشرع لأي جهة إمكانية التأويل أو الاجتهاد فيها، لحساسيتها وملامستها لجهد القاضى وأدائه، دون تناسى التجربة وعامل الزمن،إذ عامل الزمن هو ظرف ذلك الجهد والأداء، وهذا ماجعل المشرع يعطيه دورا أساسيا فى تقدم القاضى، مجسدا ذلك فى تبنى نظام الرتب، الذى يقتضى أنه لامناص للقاضى من أن يلبث ستا وعشرين سنة من عمره الوظيفى كأقل تقدير وهو على محك المراقبة والتقييم، ثمانى سنين فى الرتبة الرابعة وهى أطول الفترات، لأن القاضى لازال حديث عهد بالمهنة ومعرضا أكثر من غيره لمخاطر حداثة التجربة وعشرات البداية، وست سنين فى كل رتبة من الرتب الثلاثة المتبقية.
خروق واضحة وعبث بالقانون
وقال القضاة فى المذكرة إن من اطلع على قرار الترقيات موضوع التظلم يتبين ضربه عرض الحائط بمعيار الزمن وعامل التجربة، حيث فتح الباب للتسلق بدل السير داخل الرتب عبر درجات واضحة ويخطى متئدة، وهذه أبرز النماذج :
أولا : خرق شروط التقدم :
إن النظام الأساسى للقضاء فى فصل التقييم والتقدم أتاح لمجلس الأعلى للقضاء بعد تقديم اللوائح من طرف جهة التقييم (رئيس المحكمة العليا والمدعى العام لدى المحكمة العليا كل فى مايعنيه) عبر وزير العدل إمكانية ترقية من أدرج اسمه على لائحة التقدمات بثلاثة شروط /
(الجدارة) : حيث نصت المادة 27 من النظام الأساسى للقضاء على أن الترقية تتم حسب الجدارة فقط، والتى ينطلق فى تقدير مدى توفرها من النقاط الممنوحة سنويا لكل قاض من طرف رئيس المحكمة العليا والمدعى العام لدى المحكمة العليا كل فى مايعنيه بناء على أداء القاضى لعمله كما وكيفا سلوكا ومظهرا .. وهى علامة سنوية 20 (المادة 24 من النظام الأساسي للقضاء).
(2) أن يتم تسجيل القضاة المدرجين فى جدول الترقية خلال شهر أغسطس من كل سنة ويشعرون بذلك
(3) أن يكونوا قد أنهوا درجات رتبهم : حيث أن المادة 27 من النظام الأساسى للقضاء صدرت بلفظة "يجب" التى هى من أقوى وآكد وأوضح صيغ الإلزام، ويتضح من خلال هذه المادة 22 .28 من النظام الأساسى للقضاء أن الانتقال من رتبة إلى اخرى لايمكن إلا بتوافر شرطين: أن يكون المعنى قد تم تأكيده وتجاوز فترة التربص، وأن يكون القاضى المقترح ترقيته قد أنهى درجات الرتبة.
وقال القضاة إن الوزير خرق شكلية لوائح جدول الترقية، حيث اكتفى بقراءة للائحة أعدت من طرفه بشكل ارتجالى لايناسب حجم وخطورة القرار الذى يعتبره أغلب القضاة قد نسف باستثنائية مفرطة أهم ضمانة فى المنظومة القضائية (استقلالية القاضى وحياده).
كما خرق الوزير علنية وآجال لوائح جول الترقية التى تم النص عليها فى المادة 29 من النظام الأساسى، والتى نصت بشكل صريح على أن لائحة القضاة المدرجين على جدول الترقية يوجهها وزير العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء فى الفترة مابين فاتح أغسطس وفاتح سبتمبر من كل سنة وأن يرفعها إلى علم القضاة فى نفس الفترة.
واتهم القضاة الوزير بخرق قرار معادلة النسبية وخرق معيار الأقدمية الوارد فى المادة 4 وتعميق الخلل وتوسيع الخرق فى توزيع القضاة داخل الرتب.
كما اتهم القضاة الوزير بخرق المادة 31 من النظام الأساسى للقضاء التى نصت على أن جدولة الترقية تنشر فور اقرارها من المجلس الأعلى للقضاء فى الجريدة الرسمية قبل فاتح يناير من كل سنة، وهو مارفضه الوزير ومنع القضاة من الإطلاع عليها.
وقال القضاة فى مذكرتهم التى وجههوها للرئيس إن القرار الأخير يلحق ضررا كبيرا بقطاع العدل على المستوين المؤسسى والفردى، فهو يكرس عرفا يجعل تقدمات القضاة خاضعة لأمزجة وزراء العدل العابرين، واخلالا باستقلالية القضاة وحرمة القضاء، كما يؤثر على الإنسجام داخل التشكيلات القضائية مستقبلا. نظرا لبالغ الحرج النفسى والإحباط المهنى المتولد عن الشعور بالظلم والغبن لدى بعض أعضاء التشكيلات وهم يرأسون من طرف زملاء لهم اكتتبوا بعدهم بآماد متطاولة، بموجب ترقية خرقت كل الأسس والقواعد المنظمة للقطاع.
وقد وقعت المذكرة من طرف 41 من القضاة البارزين فى العاصمة نواكشوط ومدن الداخل، بينهم 19 رئيس محكمة ووكيل جمهورية وعدد من قضاة التحقيق المعروفين فى الأوساط القضائية بموريتانيا.