ولد عبد الله يكتب : التنمية الحيوانية.....الثروة الضائعة !!

يعتبر القطاع الرعوي من أهم القطاعات الاقتصادية في الاقتصاد الوطني حيث يؤمن دخل مستمر لآلاف الأسر ويساهم بشكل كبير – وان بشكل غير مصنف- في محاربة الفقر وامتصاص جزء كبير من القوى العاملة التي كانت ستشكل روافد حية تغذي ظاهرة البطالة المستفحلة. فبفضل هذه الثروة يتم تأمين الاكتفاء الذاتي في مجال اللحوم والمقدر ب 24 كلغ للمواطن في السنة والفائض عن الحاجة الوطنية  يتم تصديره الى الدول المجاورة. هذه الثروة الوطنية التي تشكل رافعة للاقتصاد الوطني تنمو بنسبة 3.5% في السنة منما يعني انها تنمو و تتجدد وقابلة لتأسيس سياسات اقتصادية عليها،  لكنها و للاسف ظلت منسية و مهملة من طرف كل الحكومات المتعاقبة وشركاء التنمية.

 

لا توجد إحصائيات دقيقة للثروة الحيوانية الوطنية، لكن تقديرات الوزارة الوصية على القطاع تقدّرها بحوالي 12.000.000 رأس من الغنم 1.400.000 رأس من البقر 1.300.000 من الإبل، ويرى مختصون ان هذه الارقام لا تعكس الحجم الحقيقي لهذه الثروة لأن الوزارة تعتمد في اعدادها على نتائج حملات التلقيح التي تقتصرعادة على المواشي الموجودة على التراب الوطني. ان عدم تثمين هذه الثروة تشكل خسارة اقتصادية كبيرة وسيظل اقتصادنا يدفع ثمنها و يترنح تحت رحمة تقلبات اسعار الذهب والحديد وما نجنيه من الاتفاقيات مع الاوروبي في مجال الصيد الى ان نستطيع ادماج قطاع الثروة الحيوانية في الدورة الاقتصادية للبلد.

 

إن القطاع يساهم بنسبة 13% من الناتج الداخلي الخام (احصائيات البنك الدولي 2013 ) في حين تساهم الزراعة بنسبة 3% فقط، ومع ذالك تستفيد الزراعة من 95% من الاستثمارات الاجمالية الموجهة للقطاع الريفي، والذي ظل حتى عهد قريب قطاع موحد. ان مساهمة قطاع الثروة الحيوانية في تكوين الناتج الداخلي الخام ستكون اكبر بكثير وفوق كل التوقعات لو أننا استطعنا ضبط القطاع واخضاعه  لنظام جبائي فعال. ان 40% من الانتاج الوطني من اللحوم والتي تشكل فائض عن الاستهلاك الوطني يتم تصديرها حية وبمبادرات شخصية وغير مصنفة الى الدول المجاورة (دون ان تكون لها قيمة مضافة على الاقتصاد الوطني).

 

يساهم القطاع في التخفيف من حدة البطالة عن طريق خلق فرص العمل فهو يؤمن اكثر من 200 الف فرصة عمل حسب تقارير القطاع الوصي، كما انه يساهم وبشكل فاعل في الامن الغذائي للمواطنين ومحاربة الفقر وسوء التغذية خصوصا في الاوساط الريفية الهشة. قد لا تكون الأرقام القليلة المتوفرة عن القطاع تعكس مساهمته في البنية الفعلية للاقتصاد الوطني، لكن الحقيقة الجلية والتي لا يختلف عليها اثنان هي ان النشاط الرعوي هو النشاط الاقتصادي الممارس من قبل الغالبية العظمى من الشعب، وعليه يعتمدون في قوتهم اليومي وفيه يستثمرون ومنه يدخرون.

ان الموارد الاقتصادية التي ينعم بها بلد ما لابد لها من التثمين ووضع النظم والآليات الضرورية لاستغلالها احسن استغلال، لتعود بالنفع الى كافة مواطني البلد. فخامات الحديد – مثلا - التي يتم تصديرها عن طريق الشركة الوطنية للصناعة والمناجم تعود بالنفع الى كل مواطن من هذا البلد لأنها تجلب العملة الصعبة وتخلق فرص العمل والقيمة المضافة، نفس الشيئ بالنسبة للثروة السمكية، فالشركة الموريتانية لتسويق المنتجات السمكية تقوم بالدور نفسه.  في حين تظل الثروة الحيوانية مهملة ومتروكة لبسطاء المنمين، الأمر الذي يبعث الى التساءل لماذا لا توجد شركة او مؤسسة وطنية تقوم بتسويق وتصدير منتجات الثروة الحيوانية؟

ان خطوة انشاء شركة وطنية للالبان في النعمة خطوة أولى من مشوار الألف ميل وينبغي التنويه بها والمطالبة بتوفير مقومات الاستمرار الفنية والتجارية لهذه الصناعة الوليدة، كما انه ينبغي ان ترى النور شركات اخرى تهتم بالمنتجات الحيوانية المختلفة من لحوم وجلود.. وعلى الدولة ان تقدم التشجيعات والمحفزات الضرورية للمستثمرين ليتمكنة من دخول القطاع.

أعتقد انه من اجل الاستفادة من هذه الثروة الضائعة يتعين على السلطات العمومية انشاء شركة وطنية لتسويق المنتجات الحيوانية على غرار الشركة الوطنية لتسويق المنتجات السمكية وتكون هذه الشركة مكلفة بتسويق كافة المنتجات الحيوانية ( مواشي، لحوم، البان، جلود.... )  فبدلا من ان يظل الباعة الصغار وبعض المنمين يصدرون مواشيهم الى الجارتين السنغال ومالي وحتى في بعض الأحيان الى المغرب وساحل العاج.  ستكون هذه الشركة حاضرة وهي المسؤولة عن تصدير هذه الثروة الوطنية ، كما انها ستعنى كذالك بالسهر على تموين الأسواق الوطنية بالمنتجات الحيوانية،  الأمر الذي سيمكنها في المستقبل من التحكم في المضاربات والارتفاعات المذهلة لاسعار اللحوم. إن تموين السوق الوطني واسواق الدول المجاورة باللحوم والألبان والجلود مسؤولية جسيمة و تخضع لتوازنات الاقتصاد الكلي، ولا ينبغي ان تتخلى الدولة عنها وتتركها في أيدي باعة صغار ومضاربين لا يقدرون القيمة الاقتصادية لهذا القطاع الحيوي.

كما انه كذالك من اجل تنمية القطاع والرفع من انتاجيته  سيكون من الضروري إنشاء مؤسسة مالية وطنية تعنى بالقرض الرعوي ، فمن المعلوم ان التنمية الحيوانية بشكل عام تمر بفترات شدة في فصل الصيف تتاثر بها المواشي بشكل كبير، كما انها كذالك مع حلول فصل الخريف تتبدل الأحوال ويشهد القطاع نشاط و انتعاش مهم. ان فكرة صندوق القرض الرعوي هي التدخل في فترة الصيف والشدة وتقديم قروض للمنمين ليتمكنوا من الانفاق على مواشيهم المهددة ونقلها طلبا للمرعى، في حين سيكون على المنمين تسديد تلك القروض على شكل أقساط ميسرة في فترتي الخريف والشتاء. سيكون للصندوق أثر اقتصادي بالغ ومهم، فمن جهة سيخفف على الدولة الضغط في فترة الصيف والتدخلات المستعجلة التي تكلف الدولة في كل سنة مبالغ هائلة، ومن جهة أخرى سيشكل حل لمشكل الصيف عند المنمين والذي عادة ما يثقل كواهلهم، فلم يعودوا مضطرين الى بيع جزء من مواشيهم في فترة الصيف حيث الأسعار منخفضة من اجل ان ينقذوا الجزء المتبقي.

سيكون لهذين الاجرائين أثر إقتصادي بالغ ومهم باعتبارهما القاطرة التي من خلالها سيتم تثمين الثروة الحيوانية وادماجها في الاقتصاد الوطني  كثروة مهمة و تساهم بشكل فاعل في جلب العملة الصعبة و في التخفيف من حدة الفقر والبطالة...

 

 

د. محمد محمود ولد عبد الله

باحث اقتصادي