الكان 2017 : موريتانيا والكاميرون صراع المستقبل والتاريخ (*)

ليس سهلا أن تتخلص موريتانيا من تركة التهميش الثقيلة،وليس مستساغا أن تستسلم بهدوء للآخر وهو يعبث بمستقبل أجيالها الكروى دون مقاومة،إنها ثنائية الفرار من الماضى المحزن والقفز – بحذر- من أجل حلم راود مجمل الأجيال.

 

كانت البداية صعبة وكان الإحباط يجتاح مجمل المهتمين بالشأن الكروى – وهم قلة- لكن الأمل فى التغيير ظل أبرز محفز لصناع القرار الكروى خلال الفترة الأخيرة وهم يخوضون غمار مجمل التصفيات القارية والعالمية بحثا عن الذات بين عمالقة الكرة.

 

عبرت موريتانيا النهر إلى الشان 2013 بثنائية جميلة فى الملعب الأولمبى أمام الآلاف من عشاق الكرة المستديرة، وأكرمت جيرانها الأقرب (السينغال) بقدر من الخيبة وألزمتهم بانتظار المستقبل بعدما ضاعت فرصة التأهل على الأسود السنغالية بفعل أقدام الصغير مولاي أحمد خليل (بسام) القادم من ملاعب "تيارت" ورفقيه تقى الله الدن أيقونة النادى البرتقالى أو "عملاق الشمال"، وأخذت مقعدها عنوة ضمن شلة الكبار بجنوب افريقيا ، مع قدر من الأضواء فى العرس الإفريقي الصاخب بآمال القارة وآلام شبابها، والمتخم بالنجوم الوافدة من كل الدوريات الأوربية والآسوية،عكس كل التوقعات التى كانت تميل لصالح السنغال بحكم التاريخ الذى لايريد له البعض أن يتغير.

 

كان البعض يعتبرها صدفة، وقد تمنح الصدف المجد لغير مستحقيه. وتعامل آخرون مع الأمر من باب حلم اليقظة دون أن يصدقوا ماشاهدوا، ورأي آخرون فى الأمر بداية تحول يجب أن يصان، و عنوان مرحلة يجب أن تعزز، ورسالة جد واضحة مفادها أن التغيير مرهون بالجد، وأن الواقع الكروى الذي يجمع الشعب دون تمييز، هو مصدر البسمة الوحيدة فى عالم مزدحم بالدموع، وهو عنوان الوحدة فى عالم يطبعه الشقاق على أساس اللون والعرق والجهة والرأي....

 

 لقد شكلت معركة جنوب افريقيا  2015- بعد موقعة الكاميرون – لحظة احساس فارقة بالنفس، وتأكيدا آخر على نجاعة التحول وامكانية الاستمرار ، رغم خسارة حلم آخر كان بالإمكان حسمه، لكنها كرة القدم .. لقد ضاع حلم التأهل الثانى لنهائيات الشان 2016 والمنتخب على أبواب فوز تاريخى آخر، غير أن الرياح جرت بما لاتشتهيه السفن فى آخر مباراة خاضها المنتخب مع أسياد القارة السمراء (2016) أشقاء كيتا، بعد أن بلغت قلوب الماليين الحناجر  على ملعب الاستقلال.

 

خروج حاول البعض استغلاله للتشكيك فى نجاعة المسيرة، وتعالت أصوات المحبطين المثبطين مطالبة باعادة النظر فى المشوار الحالى، لكن صرخات الصغار فى مدرجات الأولمبى فى أمسية الجمعة لم تترك القول لخطيب.

 

أكثر من سبعة آلاف مفترج فى مشهد تآزر وتآخر، يهتفون للعلم ذاته، ويرددون النشيد ذاته، يحزنون للمصيبة ذاتها – وهل من مصيبة فى عالم الكرة أشنع من التعادل أو الهزيمة على الأرض وأمام الجمهور- ويهتفون ويبكون فرحا للهدف ذاته، وهل فى عالم الكرة ما يستحق البكاء والصراخ غير الهدف الذى تسجله أقدام اللاعب الموهوب فى الوقت بدل الضائع؟.

 

ليس مهما أن تهنار "غامبيا" أمام المنتخب الوطنى، وليس مهما أن تخطف النقاط الثلاثة فى معركة أنت الممسك بكل خيطوها بفعل التجربة والأرض والجمهور، لكن المهم والجديد والمميز، هو انتزاع الصدارة من منتخب بحجم وعراقة وقوة "الكاميرون"..

 

المهم بحق والجديد بحق والمميز بحق ، هو أن تستمع لمذيع لاينتمى لأرضك أو معلق لايعمل لحسابك أو تقرأ فى صحيفة لاتمتلك ترخصيها أو تسمع فى اذاعة لاتتولى تمويلها أن منتخبك الذى صنعته ودربته وكونته وجمعته يتصدر منتخب الكامرون، وأن منتخب جنوب افريقيا المختار من 100 مليون نسمة يقبع فى ذيل الترتيب، بينما يتصدر منتخب الأفراد النزع فى كل دولة أو قرية أو ملعب رملى المجموعة بجدارة، ويتصدر ابنه القادم من ملاعب الرمل قائمة الهدافين فى القارة...

 

تلك احدى النقاط المضيئة فى عالم الكرة اليوم، وتلك احدى اللحظات السعيدة التى يتطلع لها كل شاب موريتانى، ومع ذلك يظل الخروج من التصفيات وارد، رغم التشبث بالصدارة، وتظل الهزيمة أمام غامبيا أو غيرها ممكنة ومتوقعة، رغم السيطرة المطلقة على مجريات اللعب فى المباراة الأخيرة..

 

(*) سيد أحمد ولد باب / كاتب صحفي