منذ أن نشأت الحضارة وانتظم الانسان في مجموعات بشرية يحكمها النظام والقانون ومبادىء التعايش الاجتماعي والتدبير المشترك ظهرت الحاجة للحوار الذي هو سمة الانسان المدني الأولي في تنمية تفكيره واغناء مواهبه من جهة ووسيلته الوحيدة في إيصال وجهة نظره ورؤيته للكون ولمحيطه الطبيعي الذي تحتم عليه الفطرة السليمة ونواميس الكون الانفتاح عليه والتفاعل الدائم معه.
ولاشك أن الحاجة إلى الحوار ظلت تنمو مع كل حقبة من حقب تطور الانسان وقاربت مداها الكامل في زمننا الحالي الذي اتحد فيه الكون على نحو مذهل وتجانست تحدياته واختلطت رؤآه وتشابكت مصالحه على نحو لم يعد بامكان أمة فيه ولا قارة بكاملها أن تقرر مصيرها منفردة دون الانصات الجيد والتفاعل الخلاق مع محيطها العالمي الواسع،أحرى أن يكون هنالك شعور عند سلطة مهما كانت شرعيتها أو مجموعة رأي مهما كان تأثيرها أوتحالف سياسي مهما كان حجمه بأن بامكان أي منهم تقرير مصير بلد واحد وتدبير أموره بمعزل عن بقية المكونات سواء كان ذلك في ظروف عادية أو في الظروف التي أصبحت غالبة للأسف الشديد على أجزاء كبيرة من قارتنا ومنطقتنا.
إن هذه الحقيقة وهذا الفهم الاستراتيجي لمبدإ الحوار هو ما اجتمعت عليه كتلة احزاب المعاهدة بل كان هو السبب الاكيد لتأسيسها وهي تستعد للدخول في حوار 2011 الذي اقتصر عليها في تلك المرحلة مع النظام الحاكم واغلبيته وشكلت نتائجه النظرية نقطة تحول ايجابية كبيرة في الحياة السياسية الوطنية وكان متاحا لها أن تدفع بتطوير الممارسة السياسية الوطنية وآليات الحكامة الرشيدة أشواطا بعيدة لولا ما أدركها من هنات وعجز أطرافها عن تنفيذ جوانب جوهرية منها.
أيها السادة والسيدات
لايحتاج أحد منا في هذا اللقاء أن يؤكد للآخر حجم التحديات والرهانات التي تواجه بلادنا على نحو يتنامى بشكل لافت وأن السبيل الوحيد لمواجهتها في رأي كتلة المعاهدة من أجل التناوب السلمي هو استثمار الفرصة الثمينة المتاحة حاليا في هذا اللقاء الوطني لوضع آليات تمكن من تجاوز الانقسام الحاصل في الساحة السياسية وهي على أبواب انتخابات رئاسية ستحدد ظروف إقامتها ونتائجها مصير البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة.
إن هذه الفرصة هي اللحظة المناسبة للدفاع الفعلي عن المصالح الوطنية العليا لموريتانيا والتعلق بها ودفع الثمن مهما تعارض مع مصالحنا الضيقة المشروعة في الظروف العادية.
وهنا نؤكد بهذه المناسبة دون مواربة أو تردد أن كتلة أحزاب المعاهدة بمختلف مرجعياتها ورموزها السياسية والمعنوية تضع اليوم كل ثقلها وامكاناتها المتاحة لإنجاح هذا الحوار والوصول به إلى نتائج ايجابية تشرئب إليها انظار الشعب الموريتاني من أقصى شرقه إلى غربه ومن اقصى شماله إلى أقصى جنوبه.
وأحزاب المعاهدة وهي تعتمد هذا التوجه تدرك أن صعابا كثيرة ستعترضه لكنها صعاب ستكون سهلة إذا استثمرنا إرادة صادقة مشتركة تبدو واضحة لدى جميع الأطراف على نحو لا تخطئه الملاحظة البسيطة تجسد فيما توصلنا إليه خلال الاجتماعات التمهيدية الماضية، ويتجسد أكثر في هذه اللحظة من خلال حجم ونوع الحضور في هذه القاعة الذي نرى أن أمامه حقيقة ومسؤولية تاريخية ،أما الحقيقة فهي واقع بلدنا وطموح أبنائه المشترك في تجسيد وتوطيد الديمقراطية ومدخل ذلك الأول في اللحظة الحالية هو تعزيز فرص التعاقب السلمي على السلطة من خلال تنظيم انتخابات توافقية نزيهة وشفافة ،أما المسؤولية التاريخية فهي الشعور بحجم الأمانة الملقاة على عواتقنا ونحن نواجه تحديا بحجم تحديد مسار بلدنا ومجتمعنا الراهن.
باسم كتلة المعاهدة وممثليها في هذا الحوار أتمنى لهذا الحوار والتشاور كل التوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
14-04-2014