ولدت في مدينة أطار (عاصمة ولاية آدرار)، في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي(حوالي 1938م/1355هـ)، حيث فقدت أمها مبكرا وهي مازالت في العقد الأول من عمرها، فتولى أبوها رعايتها وتنشئتها على القيم الفاضلة.
فعاشت معه بداية شبابها في بوادي آدرار، تتبع المزن انتجاعا وتساعد في رعاية إخوتها من الأب، قبل أن تقرر العودة، في مطلع الستينات، من البادية، بُعيْد سماعها نبأ اعتقال السلطات الموريتانية لأخ لها من الأم، أحد منتسبي جيش التحرير الوطني بالمغرب ، يدعى محمد بن عبد القادر بن العاتيق، .
طلبت الراحلة الإذن من والدها للالتحاق بأخيها وتقديم العون له في سجنه، فودعها الوالد بدموع الأسى والحزن على فراقها.
وبعد وصولها لمدينة أطار، تواصلت، لمدة أيام قلائل، مع أقارب لها، قبل أن تُهيِّئ منزلا خاصا بها في حي "قرن القصبة" التاريخي، جعلت منه مسكنا ومقرا لعملها لتحصيل ما تحتاجه من مال لرعاية أخيها المسجون.
لم تلبث طويلا في مدينة أطار، فاستعانت بخال لها ليوصلها بسيارته إلى العاصمة نواكشوط، حيث يقبع أخوها محمد في السجن، الذي استطاعت الولوج إليه داخل السجن وتقديم يد العون له.
وبعد نقله إلى مدينة كيهيدي، لم تتردد الفتاة القادمة من بعيد في مواصلة مهمتها الإنسانية، فغادرت العاصمة، عبر طريق طويل وشاق، قادها أولا إلى مدينتي روصو وبوكى(كاف معقودة)، قبل أن تصل، بعد يومين من السفر، إلى كيهيدي، عاصمة ولاية كوركول.
ولحسن حظها، فقد التقت بالصدفة مع أحد معارفها، النافذين في سلَّم القضاء في تلك المدينة، فاستقبلها أحسن استقبال ومكنها من زيارة أخيها في السجن، ووعدها بتخفيف الضغوط عليه وموافاتها باستمرار بأخباره في حالة عودتها إلى مدينة أطار.
وبعد عودتها من سفرها الطويل إلى مدينة أطار، ظل ذلك المسئول الإداري وفيا لتعهداته، فدأب يخبرها باستمرار بأخبار أخيها، حتى أطلق سراحه في سنة 1965م، بعد تبرئته من التهمة الموجهة إليه والمتمثلة في اغتيال عمدة مدينة أطار عبد الله بن عبيد.
لم تكن مؤازرتها لأخيها عملا استثنائيا، بل ساهمت في التخفيف من معاناة معتقلي حركة النهضة، الذين ادخلوا السجون على خلفية إعلان الاستقلال الوطني لموريتانيا عن المستعمر الفرنسي.
بعد تلك البداية الموفقة في مجال العمل المدني ودعم المضطهدين في سجون السلطة، حاولت الراحلة السيدة زينب – رحمها الله- تعزيز تلك التجربة الرائدة، من خلال العمل والإنتاج والاعتماد على النفس، تحقيقا للذات وصونا للكرامة، فكانت سباقة إلى العمل في مجاليْ النسيج والتجارة العامة .
واستطاعت أن تجعل من منزلها الواقع في حي قرن القصبة قبلة لكل معارفها وأصدقاء ابنها الوحيد عبد الفتاح بن عبد الرحمن بن اعبيدن، استقبالا وإحسانا وكرما، قبل أن يتحول، في مطلع الثمانينات، إلى مركز لإدارة العمل الإسلامي، ومنبع هام للصحوة الإسلامية ونشرها في ربوع ولاية آدرار وشمال موريتانيا، كما أسهم في إيواء قيادات من الحركة الإسلامية الناشئة، كماتحول منزلها الجديد في حي "غـَنمريتْ" الواقع قرب الثانوية، إلى مركز لخدمة مشروع الصحوة الإسلامية وتكريس لنهج التعاطي الإيجابي معه.
وتمكنت الفقيدة زينب – رحمها الله - من مواكبة مسيرة العمل الإسلامي، ليس فقط من خلال احتضانها لشبابه ولقياداته، بل تجاوزت ذلك إلى ريادته، حيث أصبحت عضوا ومسئولة للمالية في المكتب التنفيذي لنادي عائشة أم المؤمنين، منذ نشأته إلى أن منع نشاط الجمعية الثقافية الإسلامية سنة 1994م.
وباختصار تعتبر زينب بنت الحسن من ابرز الشخصيات النسائية الإسلامية في ولاية آدرار احتضانا وقيادة للعمل الإسلامي.
بالإضافة للعمل الإسلامي، فقد كانت المرحومة من رواد المجتمع المدني الناشئ، فأنشأت مبكرا تعاونية "عائشة أم المؤمنين"، التي حققت انجازات ملموسة في مجال التنمية، كما أضحت عضوا في مكتب اتحاد التعاونيات النسوية بولاية آدرار و أسهمت في تربية الأطفال وتعليم الكبار، من خلال إنشاء روضة للأطفال وفتح قسم لمحو الأمية.
خاضت معارك قضائية عديدة، كسبتها بالحق والعزيمة، فقد قالت يوما لأحد قضاة مدينة أطار، بعدما استدعاها، اثر دعوى رُفعت ضدها يومها، من طرف نافذة في السلطة: "إنني على يقين من كسب هذه القضية، كما كسبت سابقتها، لأنني على حق"، وفعلا كسبتها.
وفي 3 رمضان 1437 هـ الموافق 8 حزيران(يونيو) 2016م، رحلت عن دنيانا الفانية السيدة الفاضلة والمرأة العصامية والمؤمنة الصابرة زينب بنت عبد المعطي ولد الحسن، وهي في منتصف عقدها الثامن، تاركة وراءها آثار تجربة إنسانية، مليئة بمعاني الإيمان والتضحية والبذل والعطاء، فرحمها الله وتغمدها في فسيح جناته وألهم ذويها الصبر والسلوان.
"إنا لله وإنا إليه راجعون".
"لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيئ عنده بأجل مسمى".
بقلم سيدي ولد سيد أحمد
نواكشوط 7 رمضان 1437 هـ