لا يجد المتابع للشأن الديني الوطني كبير عناء لكشف مستوى الحضور الواعى للوزارة الوصية فى ترشيد وتوجيه وتنسيق المشروع التنموي الحضاري الذى تسلكه الحكومة منتهجا للرقي بالذات الموريتانية لتكون فاعلة لا مفعولا بها موردة لا مستورة للأفكار والقيم الإنسانية والتقنيات واعية بدورها الرسالي وبخصوصيتها وتنوعها الثقافي الذى بوأها منطقة تفاعل وتحاور بين الشعوب والأمم الشرقية والغربية حيث نشر سفراءها رسالة الإسلام السمحة بالقدوة الحسنة والقيم الروحية الجامعة التى توحد الناس بتنوعهم وتعددهم العرقي بكلمة سواء ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ويحفظ بعضنا لبعض المودة فى ظل المشتركات الإنسانية الكثيرة .
ولعل وزارة الشؤون الإسلامية اليوم رسمت هذه الأهداف بشروعها فى تطوير وتحديث آليات الخطاب الديني جاعلة المقدسات المرجعية متكآت ومنطلقات لا يجوز تجاوزها وممكنات الواقع ومقتضياته مجالا للتغيير والإصلاح مستنيرة بالوحي السماوي الذى أنزل لتغيير الواقع فى مختلف منعطفاته الزمانية ومكتنفاته المكانية تبعا للسنن الكونية التى يسترشد بها العقل البشري فى تنزيل منطوقات النصوص الدينية على مستجدات الحياة فى حوار مستمر مع الوحي المتناهى والواقع غير المتناهى.
وهنا تأتى مسوؤلية الفقيه الوريث للأنبياء الذى لا عبرة لفقه إن لم يكن مستوعبا لعلوم عصره وعادات مجتمعه وإن لم يكن بهذه المنزلة فإن حظه من ميراث الأنبياء سيكون ضئيلا ولن يكون له دور فى حركة التغيير التفاعلية . وهو ما نلمسه فى ثراء معرفة الوزير الفقهية وعمق نظرته للواقع إذ جعل من تجديد مؤسسات الإنتاج والخدمات المرتبطة بالشعائر الدينية مشروعا نهضويا فى تغيير العقليات والنظرة السائدة عن سلبية القائمين على هذه الشعائر وعدم قدرتهم على مسايرة ما يشهد العصر من تطور تقني وشفافية وسرعة حيث تركزت جهوده على تفعيل دور مؤسسة الحج وربطها بالمجال التقني لتقدم عملها للمواطن فى وقت مناسب ودون عناء ومواكبتها له فى أداء الشعيرة تأطيرا وتوجيها وإسنادا بإشعاره أنه ينتمى لوطن لن يتخلى جهازه الحكومي عنه وهذا ما حسن صورتها عند المواطنين ورفع عنها الدخن الذى كان يشوب أداءها.
ولم يكن العمل المؤسسي الخدمي وحده الذى شهد التطوير والتأهيل بل كان للمحظرة التى هي الحاضن للهوية وحافظ وحدة المجتمع و مصدر تميزه محل رعاية ودعم وتوجيه من الوزير ابن المحظرة لتكون جزء من المنظومة التربوية الوطنية وذلك بعصرنة أدائها وشموليته بفتح محاظر نموذجية فى المناطق التى تشكوا نقصا فى المؤسسات التربوية ومن ثم تحديث مناهج التعليم المحظري فى تمثلاته الجامعية لتستوعب مخرجاته متطلبات السوق الوطنية والدولية علماء ومفكرين وخبراء فى التشريع والقانون والاقتصاد حتى تظل المحظرة مواصلة سفارتها العلمية فى مشارق الأرض ومغاربها .
و قد توج ذلك بتحديث المنظومة القانوية والتربوية للمعهد العالى للدراسات والبحوث الإسلامية وفق النظام العالمي وتمهين شعبه حتى يكون منبرا للعطاء والمثاقفة والتواصل الحضاري وقد ظهر اهتمام الوزير بهذه المؤسسة مبكرا بعد توليه منصب الوزارة حين أعلن أن للمعهد يدا بيضاء على الدولة والمجتمع وأن المحافظة عليه مسوؤلية الجميع تلك شهادة سيكتبها لك التاريخ وسعي مشكور ستحفظه لك الأجيال .