قرر رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة بموريتانيا محمد ولد عبد العزيز إعادة النظر في التشكلة العسكرية والأمنية التي حكم بها البلاد خلال المأمورية الأولي، وسط نزعة جهوية باتت تحكم مجمل تصرفات الرجل الأول في البلاد.
محمد ولد عبد العزيز الذي أجري أول تغيير كبير في مواقع العسكريين الداعمين له منذ فترة، أعطي رسالة بالغة الأهمية عن نزعته الجهوية في الجيش،بعد أن أقنع بها متابعيه في السلطة والصفقات، مكملا الإقصاء الذي أظهره في التشكلة الوزارية الأخيرة بقيادة الوزير الأول يحي ولد حدمين.
صديق الرئيس الجنرال محمد ولد مكت قرر مغادرة مكانه المهتز بعد الصدمة التي أصابت الجهاز الإستخباراتي الذي كان يقوده، اثر خسارته أبرز المتعاونين معه في الشمال المالي بفعل ضعف الحصافة الأمنية للرجل، وتهوره، وتعامله برعونة مع العاملين معه.
غير أن مغادرة الرجل لمكانه لم تكن موفقة تماما، فقد أسند له ملف إدارة الأمن الداخلي، وهو الذي أمضي مأمورية الرئيس الأولي مكلفا بمهمة الأمن الخارجي بعيدا عن متابعة الحراك الشعبي أو تطور الجريمة، أو الاحتكاك بالضباط الجدد ممن قادوا المؤسسة فعليا خلال مأمورية اللواء المتقاعد أحمد ولد بكرن، مع اختلاف نزعة تحكم في الإدارة الإقليمية وبعض وسائل الإعلام التي ينتهجها الضابط الجديد ودور المدير المعني بتهدئة الوضع السياسي ومحاربة الجريمة، وتحسين صورة الجهاز المهتزة.
غير أن الأبرز في الرسالة الأخيرة هو تنحية الجنرال مسغارو ولد أغويزي (لعيون) من قيادة جهاز أمن الطرق الذي أسسه قبل ثلاث سنوات، وأكسبه مصداقية كبيرة داخل التشكلة الأمنية المحلية، وتكليف أحد أبناء ضباط الشمال بقيادته هو العقيد لبات ولد المعيوف،رغم وجود أكثر من جنرال داخل الجيش دون مهام كبيرة.
ويعتبر القرار بمثابة تنحية فعلية للواء مسغارو ولد سيدي من واجهة الفعل الأمني بعد أن تمكن من فرض بصمة خاصة علي أمن الطرق، وتسليم الجهاز بأمواله وتجهيزاته القادمة من دول الخليج إلي احدي الدوائر الاجتماعية القريبة من رأس السلطة بموريتانيا، ضمن معادلة معروفة لدي النخبة العسكرية الحاكمة بموريتانيا ( التعب للغير والعائد للأهل)...
وبتنحية مسغارو ولد أغويزي عن واجهة المشهد يكون الرئيس قد فك ارتباطه أو اهتمامه أو تمييزه لمجموعة قبلية تحالف معها طيلة مأموريته الأولي، ودعمته إبان وصوله للسلطة بموريتانيا، فمجموعة "أولاد الناصر" التي ينتمي إليها الرجل باتت خارج الفعل التنفيذي الحكومي بفعل ضغط ولد حدمين، ومقصية من القرار الأمني بقرار الرئيس، وخارج حسابات المال والأعمال بحكم أنها القبيلة الوحيدة التي لايوجد فيها رجل أعمال!.
وقد أبقي الرئيس قيادة الجيش البري لأحد الضباط الشمال المقربين منه هو الجنرال محمد الشيخ ولد محمد الأمين "أبرور"، وقيادة الجيش الجوي لأحد أفراد عائلته العقيد محمد ولد لحريطاني، والقوات البحرية لأحد أفراد الدائرة المحيطة به هو الجنرال البحري إسلك ولد الشيخ الولي،بينما احتفظ لابن عمه المفوض سيدي ولد سيدي محمد بإدارة أمن الدولة، ذات التأثير الكبير في صناعة القرار السياسي بموريتانيا.
وقد أبقي الرئيس علي قائد الأركان اللواء الركن محمد ولد الغزواني ومساعده الجنرال ولد حننا، غير أن الكماشة تقترب منهما بشكل كبير، فالوزارة تدار من اللواء محمد ولد الهادي (مصدر التمويل بيده بحكم توليه منصب الأمين العام)، والجيوش تقاد من ضباط الشمال الثلاثة (القوة النارية)،بينما يتحرك قائد الأركان ونائبه ضمن مساحة فسيحة عنوانها .. الاتصال.. ملابس الجيش.. التكوين.. التحويلات الجزئية لصغار الضباط!.
غير أن ترقية الضباط المقربين من الرئيس لم تكن الأمر الوحيد اللافت في مسيرة الرجل،بل عمد الرجل إلي تصفية كبار الضباط المنتمين لمنطقتي أترارزه والشرق بشكل متسارع خلال المأمورية المنصرمة مع حرمان من الترقية لم يجد له أغلب المدافعين عن الرجل من تفسير.
فالعقيد أحمد بمب ولد باي كان أول ضابط من أعضاء المجلس العسكري يعفي من مهامه بشكل مهين، ويحرم من الترقية ويحال للتقاعد رغم أنه شارك في انقلابين، وقادة حملة سياسية قوية في القوي الرافضة للرئيس وانقلابه.
كما أن القائد العسكري العقيد محمدن ولد بلال في طريقه للمنزل باحدي قري أترارزه بعد رفض الجنرال الرئيس ترقيته إلي رتبة جنرال رغم أن البعض توقع أن يكون الضابط المثقف، والعسكري الصارم أول جنرال من لحراطين يتم منحه رتبة جنرال بشكل مستحق لخدمته للبلاد خلال العقود الماضية.
ولن يكون القائد العسكري سيدي ولد اعل صافي (أولاد الناصر) بمنأني من التصفية بعد أن أبعد من قيادة المنطقة العسكرية بنواذيو في أول انقلاب، وعزل من اكجوجت في ثاني انقلاب، وأبعد إلي المغرب ملحقا عسكريا في عزل واضح لأحد أكثر الضباط جرأة وكفاءة، مع مكانة اجتماعية صنعها طيلة مشواره العسكري الطويل.
وغير بعيد من الضابطين السابقين يقف العقيد عبد الله ولد الشيخ ولد جدو منتظرا نهاية مشواره بالجيش، بعد أن أكمل كافة المدارس العسكرية، وحسم أمر كافة التكوينات المتاحة، مثل رفاقه السابقين، وأقصي من مدرسة الأركان، وقبلها أقصي من أهم الوحدات العسكرية بنواكشوط (القيادة والخدمات) في تهميش واضح للضباط الذي يدفع ثمن تميزه داخل الجيش، وعدم اندفاعه مع آخرين في سنفونية الجوقة الحالية بقيادة محمد ولد عبد العزيز.