كان البروفسير "دا لا براديل"، في آخر عقد من القرن العشرين غارقا في تنظير "واجب التدخل الإنساني"، وكان حريصا على أريحية مروري بـ"نانتير باريس 10"، وأن لا تنال عنصرية "النخبة" الغربية من انتمائي الحضاري لأمة الضاد والجبر؛ وأهلي يؤمنون بأنه إن كان لـ"التعالي" من حيز في وجود خرافي، كان حظهم منه العلياء؛ وكانوا منذ الأزل عربا بمضاضة تنكُرَ ذوي القربى و"جهل" العرب لتاريخ الآباء والأجداد.
انتظمت عروبتهم على وقع أنفاس آخر فتح للأندلس باشره الأسلاف الذين انطلقوا منذ عشرة قرون ينقصها العمر الافتراضي ل "فيصل القاسم"، غير بعيد من شاطئ المحيط المتدفق في أحداق الجميلة نواكشوط؛ في الثقافة الشعبية اعتبر فرسان السيف واللوح من الشناقطة الثروة "مدنسة" لنبل الروح، لذا اعتمدت كملك مشترك تتقاسمه الجماعة مع الضيف وعابر السبيل.. تجسدت هذه المرجعية عبر شكل الملبس، الذي لم تلحق به "الجيوب" إلا بعد مجيء المستعمر، بحكم إهمالها ـ عمدا ـ من طرف المصمم الأول.
تضافرت جهود الدعشنة المكتسحة والشعوبية الحاقدة للنيل من هوية العرب، على بعد تغريدة من الخالدات، لتأخذ أشكالا وأساليب مفضوحة تستهدف رصيد أطول مقاومة كرست حماية الوطن ولغة العرب؛ لتستمر مع ثابت العداء لحضارة العرب، ومباشرة أول مسؤول تنفيذي للمحتل الصهيوني ل "جولة" مضادة لقمة الأمل في القارة السمراء.
من الممتع لعقول العرب الثائرة على قيود الظلام ومنطق الولاء لليورو الدولار، أن تستعيد الدبلوماسية الموريتانية ألقها وحضورها القوي لوقف مسلسل التطبيع الإفريقي مع ربيبة الرذيلة: إسرائيل، التي عكست الصحافة الدولية قلق محلليها وخبرائها الاستراتجيين من العودة القوية لموريتانيا ودبلوماسيتها في إفريقيا، حيث فرض رئيس القمة العربية الحالي الرئيس محمد ولد عبد العزيز خلال ترأسه للإتحاد الإفريقي حضور ممثلي القضية الفلسطينية بعد طرد متسللين إسرائيليين إلى اجتماعات الإتحاد الإفريقي. إن الرئيس الحالي لمجلس القمة العربية، ، يرعى مصالح الأمة ويذود عن حماها بإقدام منقطع النظير، وجدير بقيادة العمل العربي المشترك.
كان الوحيد الذي طرد سفيرا إسرائيليا بعد أن عبثت جرارات عربية بمحل إقامته، قال كذلك علنا بعد الاعتداء الإرهابي على الصحيفة الفرنسية إنه ليس "شارلي" ولا "آمدو". وعندما أبلغه السفير المصري في نواكشوط رغبة القاهرة في عودة مصر إلى الإتحاد الإفريقي، قاطعه متبنيا القضية، وأضاف : "عودة مصر للإتحاد الإفريقي قضية موريتانية".
لقد مكنت خيمة موريتانيا المفتوحة على الود والمحبة والعطاء، من احتضان إخوة طال الجفاء أواصر الرحم بينهم بعد تعطيل ورشات عملهم المشترك؛ ليحوي "إعلان نواكشوط" الوارد بلغة جميلة وسليمة من زحافات الصواب وعلل الالتزام القومي، التمسك المرجعي بالقضية الفلسطينية كقضية العرب الأولى، وتسخير موارد الدولة الموريتانية لرعاية ومرافقة الإخوة في الأراضي المحتلة، كما احتوى جردا صريحا وشجاعا للواقع العربي، إضافة إلى التمسك بقيم ومبادئ الديمقراطية وحرية التعبير.
إن استضافة موريتانيا لقمة الأمل العربي بحضور رئيس الإتحاد الإفريقي ورئيس مجموعة الخمسة في الساحل، واعتماد المقاربة الموريتانية كمرجعية للقرارات المتعلقة بمحاربة الإرهاب، يعتبر خطوة متقدمة نحو اجتثاث المنظمات الإرهابية وتجفيف منابع اقتصاد الجريمة، ومساهمة فعلية في حماية كيانات الدول العربية المهددة بواقع وشبح الإرهاب.
منطق التكامل الاقتصادي العربي كفيل بخلق فرص عمل في أسواق موريتانيا للشباب العربي العاطل عن العمل في مصر وسوريا ولبنان والعراق وحتى بعض دول الخليج، بفضل موانئ موريتانيا التي تكفل وصول جميع البضائع إلى أسواق إفريقيا في أقل من ثلاثة أيام، إضافة إلى أطول شواطئ في العالم والقادرة على توفير أكثر من 50 بالمائة من احتياجات العرب من الأسماك.