ينتظر أن تصدر محكمة الجنايات الدولية بمدينة لاهاي في هولندا نهاية شهر سبتمبر القادم الحكم على المالي محمد المهدي الفقي، المتهم بتدمير معالم ثقافية بمدينة تمبكتو، مدرجة على لائحة التراث العالمي.
وقد اعترف الفقي أو "أبو تراب" خلال مثوله في الثاني والعشرين من شهر أغسطس أمام المحكمة بالتهم الموجهة إليه بتدمير تسعة أضرحة، وباب مسجد صيف ألفين واثني عشر بمدينة تمبكتو، إبان سيطرة تنظيم القاعدة على شمال مالي.
لم يخف الفقي الذي يعتبر أول من يمثل أمام محكمة الجنايات الدولية منذ تأسيسها عام 2002 بتهم لا تتعلق بإراقة الدماء، أساه وحسرته على "الجرائم" التي ارتكب، وقد بدا ذلك جليا على نبرته ولغة خطابه، حينما تحدث قائلا: "يملؤني الندم والأسى، وأنا أمثل أمامكم اليوم، ويؤسفني القول إن كل ما سمعته الآن صحيح، أطلب من الماليين الصفح، وأن يعتبرونني ابنا لهم ضل طريقه".
قد لا يكون أمام الطارقي الأربعيني من خيار غير الاعتراف ب"الجرائم التي ارتكب"، بعد ما التقطت له عدسات الكاميرات ذات ضحى من عام 2012 صورا وهو يستخدم فأسه لتدمير بعض الأضرحة بمدينة تمبكتو، لكن لو كان رئيس "هيئة الحسبة"، أو "جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" حينها يعلم أن مآله سيؤول إلى ما آل إليه اليوم، لكان ربما للكاميرات التي ستثبت التهم الموجهة إليه لاحقا، نصيب من التدمير ذلك.
ويطالب الادعاء العام الذي ترأسه الغامبية افاتو بن سودة بفرض عقوبة سجن تتراوح بين تسع سنوات، وأحد عشر عاما، على الفقي الذي قالت بن سودة إنما ارتكبه يعتبر "صفحة سوداء في تاريخ المدينة" وأنه "يجب أن لا يفلت من القضاء".
ويعود أول مثول للفقي ـ الذي اعتقلته القوات الفرنسية على الحدود بين ليبيا والنيجر، قبل أن تسلمه حكومة النجير للمحكمة الدولية ـ أمام محكمة الجنايات الدولية في الثلاثين من سبتمبر عام ألفين وخمسة عشر، وقد مثل حينها أمام الغرفة التمهيدية للمحكمة، حيث خلصت إلا أن التهم الموجهة إليه تثبت إدانته.
وكانت المحكمة التمهيدية قد أصدرت مذكرة اعتقال دولية ضد محمد المهدي شهر سبتمبر عام ألفين وثلاثة عشر، بعد مرور أزيد من عام على إحالة الحكومة المالية ملفه إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وقد طالب تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في بيان صادر عنه مطلع شهر يناير من عام ألفين وستة عشر، بالإفراج عن الناشط بجماعة أنصار الدين، مقابل إفراجه عن المواطنة السويسرية الأربعينية "بياتريس ستوكلي" التي أعلن مسؤوليته عن اختطافها بمدينة تمبكتو.
وكان التنظيم قد اعتقل ستوكلي قبل ذلك عام ألفين واثني عشر، قبل أن يطلق سراحها بشرط قال إنها قبلته وهو "أن لا تعود إلى أي أرض من أراضي المسلمين".
لكن ذلك الطلب، لم يجد آذانا صاغية، فمحكمة الجنايات تعتبر ابن منطقة أغون الواقعة على بعد مائة كيلومتر غربي مدينة تمبكتو "مجرم حرب ينبغي أن ينال عقابه أمام المحكمة الدولية".
لكن اللافت أن حركة أنصار الدين الناشطة بالشمال المالي، والتي يعتبر الفقي المنحدر من قبيلة "كلنصر" الطارقية أحد قيادييها، وظهر بقوة في صفوفها خلال عام ألفين واثني عشر، حيث كان يرأس "هيئة الحسبة" لم يصدر عنها أي موقف بشأن اعتقاله ومحاكمته، رغم اهتمام تنظيم القاعدة بقضيته.
كما اللافت أيضا أن التهم الموجهة إلى الفقهي، وهي "تدمير معالم ثقافية" ارتكب ما هو أشنع منها في العراق، ويرتكب اليوم في بعض المدن السورية، ما دفع البعض إلى اتهام محكمة الجنايات الدولية ب"الانتقائية" في قضية المعلم الطارقي المعترف ب"جرمه".