لن تعلن العاصمة الموريتانية نواكشوط قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب فى الوقت الراهن، لكنها لن تسترجع آليات التعاون المعمول بها سابقا فى ظل الملك الحالى محمد السادس، والرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز.
حسم الأمر إذن لصالح الصراع والمواجهة، وطغت لغة الرسائل المشرفة بين القصرين خلال الأسابيع الأخيرة، وباتت "جبهة البوليساريو" والرئيس البولارى "مكى صال" أبرز أدوات الصراع الظاهرة،بينما تحارب أجهزة الأمن ونواة الأنظمة الصلبة على جبهات عدة أبرزها الدبلوماسية والإقتصاد وقلوب المانحين فى الخليج وأوربا.
يوليو 2016 تتحرك الدبلوماسية المغربية المصحوبة بتحالف المماليك فى منطقة الشرق الأوسط لوضع حد للقمة العربية بنواكشوط، وإجهاض حلم الموريتانيين فى إقامة أول قمة عربية على الأراضى التى ظلت الجامعة – محاباة للرباط- ترفض الاعتراف بها كدولة مستقلة، رغم عضويتها فى الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي ودول عدم الانحياز.
تنجح الرباط فى خفض التمثيل الخليج، وإقناع بعض الملوك بأجواء "فاس" الهادئة بدل خيمة نواكشوط المنصوبة حديثا للزعماء العرب، وتطغى لغة الأعراس والمصالح الاقتصادية المتبادلة، على الأعراف الدبلوماسية المعمول بها، وتبتلع نواكشوط حراك الشقيقة مع قدر كبير من الإصرار على الانتقام العاجل فى محافل دبلوماسية أخرى.
تطرق الرباط أبواب القارة العجوز بحثا عن ملجأ يأوي ملكها المقر بصعوبة الحسم السياسى أو العسكرى فى أرض البيظان (الصحراء الغربية)، فتقتنص نواكشوط اللحظة بكل قوة، وتعيده إلى الرباط بخفى حنين حاملا توقيع أكثر من 28 دولة افريقية رأت فى اللحظة الحالية فرصة لاحتضان الرباط وطرد جبهة البوليساريو، لكنها مقايضة تصدت لها "نواكشوط" و"أنجامينا" و"جنوب إفريقيا" و"الجزائر" الرباعى الممسك بشكل فعلى الآن بمقاليد الاتحاد الإفريقي، وهو مالم تستوعبه وسائل الإعلام المغربية وأجهزة الأمن التابعة لها، التى تبارت فى تسريب ماقالت إنها تصريحات عدائية أطلقها الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز فى الكواليس ، حينما وصف مطلب المغرب بخروج البوليساريو ب" الخط الأحمر"، منتقدا سلوك المملكة ومساعيها الرامية إلى طرد عضو مؤسس وفاعل كجمهورية الصحراء الغربية.
لم تستلم الرباط للأمر الواقع، فقررت قلب الموازين بالمنطقة من جديد، مستغلة رحيل الرئيس الصحراوى والمقاتل العنيد محمد عبد العزيز ( لكأنها تتنفس الصعداء وقد تخلصت من أحد العزيزين بالمنطقة) ، وتدفع بآلياتها المقاتلة وجرافاتها الضخمة إلى منطقة "الكركارات" من أجل فرض واقع جديد على الأرض، وتبليط المنطقة الفاصلة بين المناطق الخاضعة لسيطرتها بالقوة، وتلك التى تتمركز فيها القوات الموريتانية منذ اتفاق الهدنة قبل أكثر من ثلاثين سنة.
لكن قرار جبهة البوليساريو أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، فقد دخلت الجبهة بقوة على خط الصراع الموريتانى المغربى، وألجمت قوات النخبة فيها أحلام المغاربة فى "الكركارات"، ووضعت المنطقة والعالم بأكمل أمام مشهد جديد، تتخلى فيه المغرب عن خططها التوسعية مقابل التهدئة أو تنهار فيه آخر أوراق التهدئة بالمنطقة، فى ظل حراك إقليمي بالغ التعقيد.
لكن مشهد الكركارات لم يقتصر على وقف أعمال الحفر والتبليط فقط، بل رسم مقاتلو الجبهة مسار تعصيد آخر، بدت فيه الرباط مستسلمة لقدرها، وهى تتابع عن قرب حراك جنود البوليساريو بسياراتهم الفارهة، وشبانهم المتعطشين للقتال على مشارف الأطلسى بعد 40 سنة من الصراع والسلام المفروض بالاتفاقيات الدولية الهشة ومحاولة التحييد بجدار شمته البوليساريو ذات مرة ب"جدار العار"، بعد أن كانت ترنو أعينها قبل فترة لاستعادة "لكويره" من الجيش الموريتانى، وتلوح بالتصعيد إذا رفع الجنود المكلفين بتأمين المنطقة أعلام البلد الذي ينتمون إليه!.
لقد ظهر الرئيس الصحراوى الجديد إبراهيم غالى بمنطق آخر لم تألفه المغرب منذ فترة، حينما أعطى أوامره عبر الإعلام لمقاتليه بإطلاق النار على أي هدف مغربى حاول التحرك باتجاه المناطق الصحراوية الخاضعة للسيطرة الصحراوية أو تلك التى ظلت دون إدارة منذ اتفاقية وقف إطلاق النار.
حزم لم ترد الرباط أن تختبره فى ظل الوضع الحالى، ورسالة تطويق أختارت الرد عليها بشكل أكثر وضوح من العاصمة السنغالية دكار، المرتمية منذ فترة فى أحضان الحليف المغربى، عبر توجيه خطاب العرش منها، وكأنها تقول لموريتانيا والصحراء بأن حلم التوسع لديها لايزال كما هو ، وأن الملك محمد السادس لاتزال لديه الرغبة والقدرة فى الحفاظ على الأحلام المغربية الأصيلة من "طنجة إلى دكار"، رغم واقع القارة الصعب .. فكيف ستكون ردود فعل الأطراف الأخرى .. أم أن أوراق اللعبة ستدار بعيدا عن الاستعراض والإعلام؟
سيد أحمد ولد باب / نواكشوط