التعريب.. هوية مضيعة

إن أمة لاتعتز بمقومات وجودها هي أمة تعيش رهينة النسيان بين رفوف الزمن غائبة عن مشهد الحضارة المتنوع ، تائهة بين دروب الإصلاح والتقدم .

إن مقومات الوجود ليست أرضاولاسماءا ولاشعبا فقط -هكذا يوهموننا -بل مقومات الوجود أعم من ذلك وأشمل حين نعبر البرزخ القاصل بين المادي والمعنوي لنكتشف أن الدين واللغة والعادات والتقاليد كلها عناصر أساسية لنحدد البعد الحقيقي لوجود أي وطن وجودا فعليا ليس مجرد وجود على الخارطة فحسب ، من هذا المنطلق كان لابد لبلادالمنارة والرباط أن تتعايش مع ذاتها في لحظة اعتراف تتسم بالصراحة وتؤسس لبناء مستقبل واعد .

إن اللغة الغرنسية لغة مستعمر باعتراف الجميع ، سلب الأرض وانتهك العرض ونهب الثروات ، لغة كتب لها أن تمتطي سروج الطمع والهيمنة لتحقيق غاية آنية ، لغة احتلال دنس رمال الصحراء التي أثبت التاريخ والواقع أن قدرها أن تنطلق بكل حرية مسلمة الوجدان عربية الأصل افريقية الإنتماء ضادية اللسان لكتابة التاريخ وتحديد المصير.

إن اللغة العربية لغة دين وعبادة لغة شعب بكل مكوناته ، لغة المحاضر في المجنوب فبل أن تكون لغة القوافل في الشمال ، لغة الأجدادوالتاريخ يشهدوالمراسلات دليل والآثار مصدقة ، وشتانا مابين اللغتين .

إن الاستقلال الحقيقي لايتم ولايكتمل إلا حين نستعيد هويتنا ولغتنا فتعريب الإدارة وتعريب المناهج التربوية وتعريب المراسلات بكل انواعها مطلب يفرضه الدستور ويقضي به الشرع ويلبي حاجة الأغلبية الساحقة من ساكنة هذا الركن القصي من بلاد المسلمين اذلامبرر لاعتماد اللغة الفرنسية لغة مراسلة أو خطاب ، وإنه لحتقار أن يتم التواصل بها بين من يمثلون الشعب ويتحدثون باسمه ، وإنه لإقرار بالخضوع والتبعية أن يتم قبول ذلك دون أن ينبس أحد ببنت شفة .

إن تخليد يوم عالمي للغة العربية هو ضرب من ضروب التمثيل وجلد للذات حين تعترف الأمم المتحدة بهذه اللغة في حين تداس بالأقدام من بني جلدتها في تجاوز صارخ للمبادئ والقوانين ودون ان تكون المبررات مقنعة.

إن ضعف التعليم عائد إلى اعتماد هذه اللغة لغة تدريس دون أن يكون ذلك على أسس صحيحة إذ ثبت علميا أن أي عملية تعليمية لاتتم باللغة الأم هي عملية فاشلة والتواصل فيها بين المعلم والمتعلم ناقص ومجدود مما يؤثر على إمكانية الإستيعاب التي هي البوابة إلى توظيف العلم في مناحي الحياة الواقعية وهو مايفسر فشل أجيالنا المتلاحقة في كسب رهان التنمية .

إن الحديث عن ضعف التعليم هو حديث عن ضعف كافة المجلات بوصفه المدخل إليها والركيزة الأساسية التي تقوم عليها ، فلاحديث عن التقدم في ظل الجهل والواقع المعاش يشهد على ماأقول .

في الأخير -والأمريحتاج إلى سلسلة مفالات توضيحية خاصة في عالم لايهتم للقراءة كثيرا - إن من يسعى لبناء مجتمع متماسك عليه أن يبدأ بتحديد الهوية وصيانتها ، وأهم أسس الهوية اللغة بوصفها عامل النواصل الذي من خلاله تمحي الحواجز وتذوب الفوارق وخاصة إذا كانت هذه اللغة تمتلك كافة مقومات البناء والبقاء ونص التنزيل الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه يشهد على ذلك .
سيد محمد ولد محمد يعقوب.