حولت وزارة العدل الموريتانية والأجهزة الأمنية التابعة لها مقاطعة "أفديرك" من مدينة هادئة كانت ذات يوم عاصمة الشمال، إلى أكبر معسكر للاعتقال الجماعى منذ سنوات الجمرة الدامية بموريتانيا 1990.
أكثر من سبعين سيارة و500 شخص يواجهون مصيرا مجهولا فى ظل اصرار الحكومة على دفع المعتقلين لمبالغ مالية ضخمة مقابل الإفراج عنهم، بينما ترتفع وتيرة الأمراض داخل صفوف المحتجزين فى المنطقة الصحراوية الخاضعة لموجة برد بالغة الصعوبة.
توبيخ وتقريع لشيوخ تجاوز بعضهم الستين سنة، وتنكيل بهم لحظة الاعتقال من قبل قوات الجيش والدرك، وتجاهل مطبق لواقعهم المرير من قبل الأحزاب والقوى الفاعلة بموريتانيا، هو ما آل إليه واقع المنقبين عن الذهب فى صحراء تيرس الزمور.
الديون التى راكمتها أيام الاحتجاز أكبر منغص للعيشة، والإحباط الذى يلف الجميع ضاعف من مأساة شيوخ فارقوا الأهل بحثا عن مصدر رزق فى بلد تضاعف فيه أسعار المواد الغذائية، وقلت فيه فرص العيش الكريم لطالبيها خلال السنوات الأخيرة.
يحكى المحتجزون قصصا من الإهانة والتعذيب مثيرة للإشمئزاز خلال أيام الاحتجاز الأولى من قبل الجيش وعناصر الدرك، وتدعم الرواية المتداولة قصص الهروب الجماعى للمنقبين فى صحراء تيرس، والتى أزهقت خلالها أرواح بريئة بالرصاص أحيانا، وبحوادث السير فى أماكن أخرى.
يقول المنقبون إن الأجهزة الأمنية أحالتهم نظيرا للقضاء، بحكم عرض وكيل الجمهورية على المحتجزين - فى حالة نادرة- داخل معسكر الاعتقال الجماعى، لكنها رفضت إحالتهم للسجن أو الإفراج عنهم، فى تعطيل للقوانين المعمول بها فى موريتانيا منذ فترة.
100 ألف أوقية عن كل عامل يدوى، و500 ألف أوقية عن كل مشغل مفترض من الضحايا المحتجزين، هو خلاصة القرار الذى أتخذته السلطة القضائية فى تصرف وصف بالإنتقامى من قبل المئات من ضحاياه المحتجزين.
لكن المثير للسخرية أن جهاز الدرك رفض إعاشة الحشد الجماعى الذى أحيل إليه بحكم قرار من النيابة العامة ( 500 شخص)، فقرر مصادرة بطاقات التعريف بشكل جماعى والسيارات المملوكة والمؤجرة من قبل الضحايا المحتجزين، تاركا الجميع فى منطقة لاماء فيها ولامرعى، يتسولون الغذاء والشراب والدفئ من جيران القيادة العامة لجهاز الدرك بمدينة أفديرك عاصمة الشمال قبل عقود!.
يقول الضحايا فى لقاء مع موفد زهرة شنقيط إن الجميع ألقى باللائمة على الرئيس، وإنهم لايدرون حقيقة ماتقول قوات الدرك والإدارة الإقليمة عن رفض الرئيس التعامل بعقلانية مع ضحايا الجوع فى الشمال، ولكنهم يدركون فعلا أن الأزمة طال أمدها، وتجاهلها بهذه الشكل المريب يطرح أكثر من سؤال.
بعض الضحايا أشترى سيارة بعد أن أغراه حلم الثراء السريع، فتاهت سفينته فى صحراء تيرس زمور، والبعض الآخر ذهب مع مشغليه طلبا لما يسد به رزقه، فأنتهى به المطاف أسيرا بيد قوات الدرك فى الشمال، دون أن يكون فى داره من يمتلك فدية لتحريره من الأسر الجديد!
لكن المثير للغضب بحسب الضحايا هو تجاهل القوى السياسية للملف، وعجز الأقارب عن التعبير عن المأساة التى يعيشون فيها، فأغلب الضحايا من مناطق الشرق البعيدة، والضحايا فى مكان معزول عن أنظار المجتمع الدولى والرأي العام الداخلى، رغم حضوره بقوة فى ذاكرة صناع القرار بالبلد.