شكل السادس من أغشت 2008 محطة فاصلة فى الحياة السياسية بموريتانيا، بعدما حول قائد الحرس الرئاسى الجينرال محمد ولد عبد العزيز قرار إقالته من كل المناصب داخل المؤسسة العسكرية إلى محطة للعبور نحو منصب رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، مصطحبا معه مجمل الضباط الذى شملهم قرار الإقالة دفعة واحدة من طرف الرئيس المخلوع سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله فى انقلاب عسكرى مكتمل الأركان.
كانت الأمور قبل قرار الإقالة تشى بعمق التحول الذى تمر به العلاقة بين الرجلين، العسكرى الطامح لتعزيز نفوذه، و المدنى المتمرس خلف شرعية سياسية أفرزتها صناديق الإقتراع فى مارس 2007 مع قدر كبير من الدعم المعنوى عبر الحاضنة الاجتماعية والصوفية داخل البلد، وتحالفات دولية بدأت تأتى أكلها من الناحية الإقتصادية والسياسية، وزخم سياسى وإعلامى باعتباره أول رئيس مدنى يصل للسلطة فى موريتانيا من خارج دوائر السلطة المعتادة.
غير أن معسكر الرئيس المحاصر بنفوذ كبار الضباط بدأ التحرك - خفية- للإطاحة برأس الحربة الجينرالين محمد ولد عبد العزيز قائد الحرس الرئاسى والجينرال محمد ولد الغزوانى قائد جهاز الشرطة.
نجح الرئيس الموريتانى سيدي ولد الشيخ عبد الله فى التواصل مع بعض قادة المؤسسة العسكرية بشكل سلس، لكنه فشل فى تحديد نقاط الثقة داخلها أو اختيار الضباط الذين أنتدبهم لخلافة ولد عبد العزيز ورفاقه من المعسكر المغاضب للرجلين كشرط لنجاح "إنقلابه" داخل الجيش، فكانت نتائج القرار جد عكسية، وأطاح صراع الرجلين بالحلم الديمقراطى فى موريتانيا بعدما كانت تباشير التحول نحو دولة مدنية تلوح فى أفق البلاد المنكوبة بديكتاتورية عسكرييها ومدنييها منذ الإستقلال.
انتصار العواطف
شكل سقوط سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله نكسة للمسار الديمقراطى بموريتانيا وأربك العديد من الحسابات الداخلية والخارجية، وأنقسمت النخبة بين منحاز للإنقلاب بفعل التهميش أو الجبلة، وبين رافض له بحكم الخسارة المادية والمعنوية أو الموقف المبدئي من الإنقلابات العسكرية وفاعليها وهم قلة.
غير أن عواطف الشعب الموريتانى أنتصرت فى النهاية على عقلانية النخب الموريتانية، وتمترس قائد الإنقلاب الجديد خلف هالة من الدعم الشعبى والتحالفات الإقليمية من أجل توطيد مكاسبه السياسية التى أكتسبها فجأة، بينما حاول خصومه الرهان على دعم دولى واسع يرفض أصاحبه الإنقلاب الذى وقع ويدعمون الرئيس المطاح به، ومعارضة شعبية قوية فى العاصمة نواكشوط على وجه الخصوص.
وبغض النظر عن المواقف الشعبوية التى أتخذها قائد الإنقلاب الجديد الجينرال محمد ولد عبد العزيز كقطع العلاقة مع الكيان الصهيونى وتوزيع القطع الأرضية على مستحقيها والشروع فى تسوية سريعة لملف الإرث الإنسانى، واحتضان النخب الموريتانية المهمشة،ورفع رواتب الموظفين، فقد حظى الرجل بدعم أبرز رموز الساحة السياسية فى موريتانيا، وجميع بين الدعم العسكرى المطلق من قادة الجيش والأمن، واصطفاف النخبة السياسية الفاعلة فى الأغلبية إلى جانبه، وتزكية العلماء لحراكه، ودعم رجال المال والأعمال لمجمل المشاريع المعلنة من قبله، مع حاضنة قبلية قوية، ساهم رجالها بالدعم السياسى والمالى لامتصاص نقمة الغير وجلب دعم المترددين.
لقد تصدر ضباط الجيش الصفوف الأمامية للجماهير الداعمة له فى مواجهة الرفض الداخلى والخارجى، وكانت القوى العسكرية الفاعلة موزعة بشكل كبير داخل التراب الوطنى، مما ساهم فى امتصاص أي غضب محتمل داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، وفرض الجيش كلاعب قوى فى الساحة السياسية طيلة مرحلة التجاذبات العسكرية.
ثلاثة ضباط من الضفة هم :
قائد الأركان الخاصة للرئيس الجينرال آداما جا
قائد جهاز الحرس الجينرال أفلكس نكرى
قائد جهاز الدرك الجينرال جاكا جينك
خمسة ضباط من الشرق الموريتانى هم :
قائد الجيوش العامة الفريق الركن محمد ولد الغزوانى
قائد الجيوش العامة المساعد الفريق حننا ولد سيدي
قائد جهاز الحرس اللواء مسغارو ولد سيدى
قائد جهاز الجمارك اللواء الداه ولد المامى
الأمين الدائم للمجلس الأعلى للدولة ساعتها العقيد أحمد بمب ولد بايه
خمسة ضباط من الشمال :
العقيد الشيخ ولد بايه (خفر السواحل)
الجينرال محمد ولد الهادي (مدير الأمن)
الجنرال محمد الشيخ ولد محمد الامين (أبرو)
الجنيرال محمد ولد لحريطانى (سلاح الجو)
الجينرال محمد ولد محمد أزناكى (قائد الأركان المساعد سابقا)
ثلاثة ضباط من الوسط :
الفريق محمد ولد مكت قائد جهاز الشرطة حاليا
الجينرال عثمان ولد لعبيد لحمر قائد المنطقة العسكرية الأولى
قائد الأأمن الخارجى العقيد محمد فال ولد أمعييف
ضابطين من أترارزه :
قائد جهاز أمن الطرق سابقا العقيد محمدن ولد بلال
القائد المساعد لجهاز الدرك حاليا الجينرال عبد الله ولد الشيخ ولد أحمد عيشه
مع وجود أبرز رموز المؤسسة الأمنية إلى جانبه : المفوض الإقليمى محمد الأمين ولد أحمد والمفوض الإقليمى سيدي ولد باب الحسن والمفوض الإقليمى فضيلى ولد الناجى، والمفوض الاقليمى محمد عبد الله ولد آده المفوض الاقليمى فالى ولد الطالب المفوض الإقليمى محمد ولد السيد.
كما ظهر الحرس الرئاسى كقوة عسكرية متماسكة إلى جانب الرجل، بعد أن رفض قادته التعامل مع قائد الحرس الجديد الذى عينه الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وظل مجمل ضباطه يدينون بالولاء لرئيسه المعزول - بفعل مذكرة الرئيس- الحاكم للبلد بفعل الإعلان الدستورى الذى أعلنه بعد احتجاز الرئيس.
ولم تكن النخبة العسكرية وحدها فى الواجهة فقد كانت نخب سياسية ومالية مدنية مصطفى إلى جانب الجينرال محمد ولد عبد العزيز فى لحظة العسر، تعرض بعضها للمضايقة قبل الإنقلاب، وتندر آخرون على مواقفها بعد الإنقلاب (الكتيبة البرلمانية) بقيادة النائب عن مدينة أطار سيدي محمد ولد محم.
وقد ضمت التشكلة المدنية كلا من :
سيدي محمد ولد محم (نائب أطار)
سيد أحمد ولد الرايس (وزير المالية)
محمد محمود ولد ابراهيم أخليل (وزير التجارة)
محمد ولد بوعماتو ( رجل أعمال)
لعمر ولد ودادى ( رجل أعمال)
محمد محمود ولد محمدو (وزير الخارجية)
أحمد باب ولد أعزيزي (رجل أعمال)
أحمد ولد داداه ( رئيس حزب التكتل)
محمد ولد أمين (وزير مستشار بالرئاسة)
سيد أحمد ولد أحمد (نائب أنبيكه)
محمد ولد ببانه ( نائب باركيول)
العربى ولد جدين (نائب شنقيط)
أسلامه ولد عبد الله (نائب كرو)
مسعود بنت بحام ولد محمد الأغظف ( الأمينة العامة للرئاسة)
قيس ولد أهل عابدين ( وجيه كان إلى جانبه فى رحلته الداخلية)
يحي ولد عبد القهار (شيخ أوجفت)
محسن ولد الحاج (شيخ مقاطعة روصو)
الشيخ ولد محمد أزناكى ولد سيديا (عضو مجلس الشيوخ)
محمد محمود ولد حننا ( عضو مجلس الشيوخ ساعتها)
مع دعم معنوى كبير من أبرز العلماء فى البلد، معلن بشكل صريح كموقف العلامة حمدا ولد التاه ومحمد المختار ولد أمباله وغير معلن كموقف العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو الذى شكلت علاقته بالرئيس أهم ملمح أخلاقى ميز المأمورية الأولى لرئيس الجمهورية قبل توتر العلاقة بينهما مطلع 2011.
كما أستند ولد عبد العزيز إلى دعم خارجى قوى من عدة أطراف، تصدرها الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى والسينغالى المطاح به عبد الله واد والملك المغربى محمد السادس، والنظام الفرنسى بقيادة الرئيس الأسبق ساركوزى، بينما عارضته قوى إقليمية ودولية فاعلة تصدرتها جنوب افريقيا والجزائر والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الإفريقى.
غير أن الرجل الذى أدار البلاد منذ انقلاب السادس من أغشت 2008 بمساعدة عدد من رموز الإدارة والأمن والسياسية، فشل لحد الساعة فى بناء نظام قوى يضمن استمرارية مشروعه أو احتضان الذين دعموه وقت العسرة، مع قدرته على تسيير البلد فى أوقات صعبة كان أبرزها "2008-2009 " والمرحلة الفاصلة بين "2011-2013"، بفعل تعقيدات الأزمة الداخلية والتهديدات الأمنية المحيطة بالبلد جراء تنامى نفوذ الحركات الإسلامية المسلحة والهبة الشعبية العارمة فى الوطن العربى بحثا عن متنفس بعد عقود من الإستعمار الخارجى والإستبداد الداخلى.
لقد تحول ولد عبد العزيز من قائد عسكرى إلى حاكم دولة، لكنه فشل فى تسيير العلاقات التى أكتسبها عشية وصوله للسلطة، وفرط فى دوائر الثقة التى ساندته وقت الضيق، وتخلى عن البعض لخلاف بسيط فى وجهات النظر، وناصب آخرين العداء بفعل الخلاف فى التوجه أو الإستماع للتقارير المضللة فى أوقات كثيرة.
لقد نجح ولد عبد العزيز فى تجاوز محنة الشرعية السياسية بالعديد من رموز البلد وكبار الفاعلين فيه، ونجح فى تجاوز الاختبار الأمنى الأصعب بعدد من رموز الجيش والأمن، لكنه لم ينجح فى رد الجميل للعديد منهم، لقد تحولوا اليوم إلى "بقايا نظام" ولما يسقط النظام الذى ساندوه، وتحولوا من مراكز القوة إلى متفرجين على الأحداث داخل البلد، بعدما تصدر الدهماء صفوف الموالاة الداعمة له، وتحكم صغار داعميه بالقرار السياسى والتنفيذى، وأكتفى رموز المؤسسة العسكرية من الغنيمة بالإياب ومن المكاسب بالسلامة، فلا وجها يحسب فى التشكلة الوزارية لضباط جيش ضحى من أجل "عزيز" ، ولامنصب مقنع فى هرم السلطة للنواب الذين تحملوا عبء الدفاع عن مشروع الرجل وبشروا به داخل البلد وخارجه، ولا أحد من رجال الأعمال أستفاد من وضعية مميزة كشريك تحميه القوانين، بل إن البعض اليوم ترك مكانه لرموز المعارضة من رجال الأعمال والنواب الذين أفتى بعضهما بحرمة التصويت له سنة 2009، وأنفق البعض الآخر ماله بسخاء لوضع حد لطموح الرجل والتنكيل به، ونازلوه فى الانتخاب أكثر من مرة بعدما فشلوا فى احباط الإنقلاب.
لا أحد يريد أن يتكلم الآن من الضحايا الداعمين للرجل - وذلك خلق الداعم المستكين- ، لكن الجميع يدرك مرارة الصمت والحرمان بعد ثمان سنوات من الدعم المطلق للرئيس!.
ببساطة لقد ضحوا بكل مايملكون من أجل تثبيت أركان حكم هم الآن فيه مجرد أرقام تقترب من الصفر، بل إن بعضهم بات فعلا من ضمن قائمة الضحايا والمشردين ! ..