هل تحول القصر الرئاسى إلى حظيرة للمحبطين؟

 تحول القصر الرئاسى فى موريتانيا خلال السنوات الثلاثة الأخيرة من مؤسسة فاعلة فى المشهد السياسى الداخلى بغض النظر عن المشروعية الأخلاقية لبعض الممسكين بزمام الأمور فيه، إلى محطة لتجميع "الخردة" كلما أحس الرئيس بعجز أحد معاونيه عن القيام بمهام تنفيذية أو أزدادات عليه الضغوط من قبل بعض المشاييخ ورجال القبائل لتعيين وزير أو مدير فى مهمة بعد إقالته من أخرى لعجز لايحتمل التأويل.

تصرفات حولت القصر من حاضنة رسمية داعمة للرئيس إلى تحالف للمقالين، يطبعه الركود والرغبة فى الانتقام وافتعال المشاكل مع الآخر، والحنين إلى مرابع غادرها أصحابها تحت وطأة التفتيش أو العجز عن القيام بالدور المطلوب.

لقد عجز الرئيس عن وضع حد للأزمة المتفاقمة داخل قصره خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، حيث باتت الحكومة فى خصام مع الرئاسة دون معرفة الأسباب، وباتت الأحزاب (المساندة والمعارضة) فى صراع دائم مع الديوان، وتحولت مؤسسات الإعلام الرسمى من سند للرئيس إلى ضحية لبعض معاونيه، وركز البعض جهوده الإعلامية والسياسية وخبرة السنوات الطويلة من أجل إفشال مؤسسات تربوية أو قطاعات وزارية غادروها ولما يحن الفطام، وتحولت ساحة المطعم الرئاسى إلى حائط مبكى كل يوم يبث فيه البعض شجونه، وقاعة الديوان إلى مجلس عزاء للمحبطين، وراح الجميع ضحية الروح الانتقامية التى تسكن القصر ، وسط انشغال الرئيس بتدبير بعض الأمور الأخرى مع استشعاره لضعف معاونيه.

وتعتبر الأسفار الخارجية الملاذ الوحيد للمحبطين، ففيها يجد المكلف بمهمة أو المستشار أو المدير فرصة للخروج من ضيق المطعم إلى فسحة الفندق، ومن عتمة الظلام المفروض بحكم المنصب إلى فرصة للظهور – ولو لدقيقة- خلف الرئيس فى مطار خارجى أو داخلى، ناهيك عن تعويض السفر الذى بات سلعة يتعامل فيها قادة القصر بمنطق القرعة و"أسلفنى على أن أسلفك" و"أعطينى هذه الفرصة ولك الزيارة الأخرى"، و"يجب إقناع الرئيس بأهمية هذه الزيارة"، وعلينا أن نتحرك من أجل الحصول على دعوة أو التذكير بزيارة بلد آخر.

 لايمتلك أغلب معاونى الرئيس اليوم داخل القصر الرئاسى مصداقية كافية لدى النخبة الفاعلة فى البلد رغم أهمية الأمر لصورة المؤسسة بين الناس، ولم يتركوا خلفهم من الذكر الحسن داخل الدوائر التنفيذية ما يمنحهم مشروعية أخلاقية لتسيير مؤسسة بهذا الحجم، ويتصيدون الفرص للانتقام من المكلفين بتسيير المهام فى الدوائر التى غادروها، بل إن لعنة الانتقام فى رأيهم يجب أن تطال الجميع ..

 

لكن فى رضى الرئيس تعويض عن المشروعية الأخلاقية  وفى تبكيته المستمر تعويض عن مشروعية المنجز، وفى استمراريته تأمين لحاضر الذى يعيشونه دون تفكير فى غيره، ففى بلدان أخرى مندوحة عن مكابدة البلد وأزماته، وجوازات السفر جاهزة للمغادرة فور رحيل الرئيس.