تصاعدت وتيرة العنف داخل جمهورية مالى بعد أن خرجت الأزمة الاجتماعية العميقة بين "الفلان" و"البمبارى" عن طور المعقول خلال الأيام الأخيرة، وتحولت إلى عنف أعمى يحرق وسط البلاد على أساس العرق، وسط حصيلة ثقيلة فى الأرواح وعجز فاضح للدولة المركزية المتهمة بدعم عرقية دون أخرى.
فمنذ 12 فبراير الجارى قتل مابين 12- 48 شخص فى "سيغو" وسط البلاد جراء انهيار الهدنة القائمة منذ فترة بين القوميتين، وهى أعلى حصيلة منذ أحداث مايو 2016 التى راح ضحيتها مابين 38-50 شخص فى مدينة "موبتى" كبرى مدن البلاد.
وتقول قومية الفلان إن عنف "البمبارى" تصاعد منذ 2013 بدعم من بعض التشكيلات شبه العسكرية والجيش المالى، وسط صمت رهيب من المجموعة الإفريقية وفرنسا.
ففى الثامن عشر من مارس 2013 قتل أكثر من 25 شخصا من "الفلان" ذبحا على أيدى العصابات الموالية للجيش، وألقى بعضهم فى آبار داخل المدن التى يقطنونها، وكان من بين القتلى أئمة وصلحاء وفقهاء وبعض طلبة العلم ، ناهيك عن اعتقال عدد المشاييخ والتنكيل بهم من قبل القوات المدعومة من قبل الجيش.
وقد شكل ظهور جماعات الأرض وجماعة الدفاع عن النفس فى وسط البلاد أول بذور للحرب الأهلية، حيث بات "الفلان" يواجهون مخاطر شبه يومية، كلما نفذت الجماعات الإسلامية أعمال قتل أو نهب داخل المناطق ذات الكثافة البمبارية، مع تحريض شبه يومى فى وسائل الإعلام المحلية والدولية حول مسؤولية "الفلان" عن ماتقوم به جماعة "ماسينا" وبعض الجماعات الجهادية المنضوية ضمن التحالف الجهادى فى شمال البلاد، مما عزز المظالم داخل القرى والمدن الكبيرة فى الوسط ، وخصوصا فى "سيغو" و"موبتى"، حيث أندلعت الأحداث الأخيرة، وتصاعدت وتيرة العنف والنزوح بشكل غير مسبوق.
وقد فاقم من المأساة عجز الحكومة المركزية فى باماكو عن مواجهة العنف، أو التفريق بين عرقية مسالمة "الفلان" ومجموعات إسلامية عابرة للأعراق والجهات، مع الرغبة فى احتضان الأغلبية الداعمة للحكومة المركزية والتغاضى عن أخطائها بفعل الحاجة لها فى الصراع الانتخابي.
وتقول التقارير الواردة من مالى إن السكان "الفلان" يدفعون ثمن الواقع المر فى المنطقة ، وخصوصا فى "أدوينزا" و"موبتى" و"سيغو" و"أنيونو" و"ماسينا"..
وتلتزم المنظمات الحقوقية والدول الغربية صمتا مريبا تجاه مايجرى فى مالى، بينما تتعامل دول المنطقة مع الوقائع على الأرض بقدر من السلبية يهدد استقرارها ويجعل مكونة عرقية أصيلة فى مهب الريح داخل الدولة المالية، مما قد يشعل فتيل الأزمة العرقية من جديد داخل الجوار الإقليمى.
ويتم التعامل مع أي رافض لغطرسة المجتمع الدولى والحكومة المالية فى مالى بأنه مناهض للاستقرار ومنحاز للإرهاب وجماعات العنف، بينما لايمتلك أبناء الفلان فى المناطق الأخرى حق التدخل أو رفع العقيرة بالمظالم التى يتعرض لها "الفلان" فى المنطقة بفعل المخاوف من تسيسس القضية، لكن المجازر الحالية إذا أستمرت فالقضية دون شك فى طريقها للتدويل، والثأر المتجدد يضع الدول جميعا أمام "روندا" جديدة، لكن الضحايا هذه المرة من "الفلان" أو "البمبارى" والخاسر بلد واحد اسمه مالى، ومحيط ينشد الاستقرار لكنه يتأثر برياح الفتن العابرة للحدود، والتى تستثمر فيها النخب من أجل التمكين لذواتها فى الحكم كلما أحست بقرب الرحيل.
سيد أحمد ولد باب/ مدير زهرة شنقيط