الإصلاح السياسي والهوية..صراع الأولويات الموهوم

عرفت وسائل التواصل الاجتماعي في موريتانيا طيلة الأيام الأخيرة نقاشات ساخنة حول هوية الدولة، بعد إطلاق نشطاء لوسم #نريد_موريتانيا_علمانية حيث كتبت مئات التدوينات ما بين المطالبة بعلمانية الدولة والمطالبة بإسلاميتها، في الوقت الذي طالب الكثيرون بالانتباه لأولوية الإصلاح السياسي والتنموي، معتبرين أن إيجاد الدولة سابق على المطالبة بهويتها في بلد لا زال يعاني مشكلات سياسية واقتصادية كبيرة.

هذا الطرح الأخير يستمد وجاهته من منطقيته البادية، فالتشخيص السليم لأوضاع البلدان العربية والإسلامية هو أن معركة التغيير يجب أن تبدأ بالسد المعيق للسياسة؛ بأنظمة الفساد والفوضى والاستبداد، كما يستمد وجاهته من بعض التجارب التي أودت بعملية التغيير بسبب وقوعها في فخ معركة الهوية، كما حدث في مصر بين القوى الإسلامية والقوى العلمانية، وقد أبانت الأحداث أن تشكل المعسكرين في تلك اللحظة كان تشكلا كاذبا، حيث ما لبث أن انفض التشكل المؤقت على أساس علماني ـ إسلامي إلى تشكل جديد وإن لم يلتق بعد.

ولكن اختزال معركة الإصلاح السياسي في المواجهة اليومية مع النخب الحاكمة يعكس اختزالا وتبسيطا لمشكلات السياسة والمجتمع والتنمية السياسية في بلداننا، كما يعكس ضعف إدراك حجم التحولات التاريخية التي تمر بها مجتمعاتنا..

فالتعايش بين أبناء المجتمع ـ الذي فتتته أوضاع التخلف إلى جماعات وهويات متشظية ـ وبناء الهوية الجامعة له لا يمكن أن يظل أمرا ثانويا، ومهما قلنا عن تورط النخب الحاكمة في خلق وإدامة المشكل الاجتماعي المتعلق باللعب على تناقضات الجماعة الوطنية، فإن ذلك لا يُعفي النخب المعارضة من السعي لخلق الاندماج الاجتماعي، وإذا كانت هذه الأنظمة قد استطاعت أن تعرض النسيج الاجتماعي للتمزق والتشظي فإن الأحزاب السياسية ككيان اجتماعي ومنظمة سياسية تستطيع أن تساهم في إعادة تركيب وبناء الهوية الوطنية، وهذه إحدى مسؤولياتها التاريخية ..

إلى هنا تكون هوية الجماعة الوطنية ضدا على الهويات الجماعاتية محل إجماع، إلا إذا استثنينا الخطابات الانفعالية لبعض التشكيلات اليمينية، وهنا تبرز إشكالية نوع خطاب الهوية..

بأي خطاب؟

بين الخطاب الإستقطابي المتعلق بإسلامي/ علماني وبين الخطاب السياسي اليومي الذي يختزل مهمات النضال السياسي في المواجهة مع النخب الحاكمة على أرضية الحريات والمشاركة السياسية والفساد، ضاع الخطاب السياسي واختفت البرامج الجامعة.

فالخطاب الذي تُثوِّره العداوات الأيديولوجية يتصاعد غبار معاركه يوما بعد يوم، ويكاد يُغطي على عملية الإصلاح السياسي، والخطاب السياسي الجامد الذي يتجاهل المشكلات الاجتماعية القيمية ومشكلات الانكفاء القبَلي كردة فعل على تلاشي الدولة، هو أيضا خطاب اختزالي رغم احترافيته الظاهرة..

الخطأ الذي يقع فيه الخطاب الهوياتي المجرد هو أنه يؤجل معركة الإصلاح السياسي بالصراع مع من يجب أن يضع يده في يدهم، والخطأ الذي يقع فيه خطاب السياسة المنفعل بالمعركة اليومية مع الأنظمة هو أنه يتصور نفسه في بلدان حسمت معركة هويتها..

إن الصورة المثالية التي لا تسندها الوقائع بالضرورة هو تنادي القوى التغييرية علمانية وإسلامية إلى مرحلة سياسية/ اجتماعية تُولي الإصلاح السياسي أولويته وتسعى إلى خلق وعي بالدولة وتشكيل هوية للجماعة الوطنية العابرة للانتماءات القبلية والجهوية والإثنية، وتحمي القيم الأخلاقية والدينية المشتركة..

فإن لم يكن، فلا مناص للإسلاميين والوطنيين من مواجهة قوى الفساد والإفساد الصريحة أيا كان موقعها وأيا كانت راياتها، فالتكفيري المُقصي والعلماني المتطرف، ورجل السياسة الذي يحترف الاعتياش منها، والناشط العشائري على حد وصف الأستاذ الحافظ ولد الغابد، كلهم ينتمون إلى معسكر الإفساد، وهو معسكر تلزم مواجهته على أرضية الإصلاح السياسي أو أرضية الدفاع عن الهوية الوطنية الإسلامية الحضارية الجامعة.

 

صبحى ولد ودادى / اسلام أون لاين