هل تُفرط إدارة ترامب في مصالح أمريكا بإفريقيا؟

 تعتبر ملامح السياسة الأمريكية الجديدة بإفريقيا في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب ، و مدي تأثير التوجه الجديد على العلاقات الأمريكية-الإفريقية التي عرفت حركة نشطة في المجالات  الاقتصادية و العسكرية أحد أهم التحولات الدولية التي من المتوقع أن تطبع علاقة القارة السمراء بباقي قارات العالم و كتله المؤثرة.إذ من المحتمل أن تؤثر سياسة "العزلة" التي يتبناها ترامب على تراجع النفوذ الأمريكي بإفريقيا، بعد أن تعزز هذا النفوذ بالقارة السمراء على مدار العقود الأخيرة.

ومع أن ترامب لم يعلن لحد الساعة عن محددات سياسته الخارجية في إفريقيا، فان الاتجاه السائد يُعزز انحسار الدور الأمريكي في إفريقيا حيث كشفت صحيفة نيويورك تايمز قبل أسابيع عن وثيقة رسمية أكدت توجه الولايات المتحدة الأمريكية لتقليص تدخلها بإفريقيا و خفض  المساعدات التي توجه للتنمية بالقارة السمراء، مشيرة أن فريق ترامب تقدم باستبيان لمسئولي السياسية الأفريقية بالخارجية الأمريكية من اجل رسم ملامح السياسية الأمريكية الجديدة تجاه إفريقيا.

توجس و ترقب

يتوجس القادة السياسيون و النخب الإفريقية لحد الساعة من سياسة ترامب المعروف بسخريته  من الأفارقة أثناء حملته الانتخابية،  قائلا ساعتها إنهم "بحاجة لإعادة الاستعمار لمائة عام أخرى لأنهم لا يعرفون شيئا عن القيادة والاستقلال"، ووصفهم ب"الكسل والغباء والشره للطعام والهوس بالجنس والعنف".

 و يتعزز هذا  التوجس في رسائل ترامب السلبية تجاه إفريقيا بعد تنصيبه كاتصاله المتأخر ببعض القادة الأفارقة(اتصالين هاتفين لحد الآن برئيسي نيجيريا و جنوب إفريقيا) و تكذيب فريقه لبيان صحفي صادر عن مكتب رئيس الكونغو دنيس ساسو انغيسو أكد فيه مكتب دنيس ساسو انغيسو  قبول ترامب لاستضافة نظيره الكونغولي كأول ضيف خارجي على ترامب بعد فوزه. 
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو هل إدارة ترامب مستعدة للتفريط في المصالح الأمريكية الجيو -إستراتيجية و الاقتصادية المتنامية في قارة يزداد الاهتمام العالمي بها في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، و تتسابق الدول الكبرى لإحراز مواقع إستراتيجية و اقتصادية جديدة، أو لتعزيز الحضور في إفريقيا التي  تمتلك الكثير من الخيرات و الثروات و الموارد البشرية، و باتت وجهة كبار اللاعبين الدوليين من اجل التصدر .

براغمانتية مكشوفة

انتهج ترامب في برنامجه الانتخابي و خطاباته الدعائية أسلوبا يركز على أولويات المواطن الأمريكي على حساب الاهتمامات الخارجية التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية.لذا فالاهتمام بإفريقيا لا  يبدوا حاضرا في أولويات ترامب، الذي يبدوا انه يؤسس لمرحلة جديدة ناظمة و حاكمة للدور الأمريكي بإفريقيا.

نمط السياسية الأمريكية الجديدة بإفريقيا يزاوج بين حماية المصالح المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية بالقارة الأفريقية من جهة و التكيف مع دبلوماسية جديدة بعيدا عن التورط و التدخل المباشر بالشؤون الإفريقية من جهة أخري تماما كما تفعل بعض القوي العظمي المتدخلة بإفريقيا كالصين مثلا.

فوثيقة فريق ترامب لتحديد ملامح السياسية الخارجية الأمريكية بإفريقيا تساءلت من بين أمور أخري عن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في التورط بالقضايا التي لا تشكل خطرا عليها  كالمصلحة من تعقب  الاستخبارات الأمريكية  لزعيم جيش الرب جوزيف كوني بأوغاندا مادام لم يستهدف مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

و ترامب نفسه قد أعلن أن خفض المساعدات التنموية الموجه للخارج، و التي تمثل 1% من الميزانية الفدرالية، و كانت حصة إفريقيا من هذه المساعدات مرهونة في الغالب باحترام قضايا حقوق الإنسان و تنمية الديمقراطية.  

 و تتجسد هذه الرؤية الأمريكية أكثر فأكثر مع مرور و يعتبر  اختيار ريكس تيليرسون

على رأس الدبلوماسية الأمريكية  أحد شواهد هذا التوجه فالرجل يُعد من الأمريكيين القلائل الأكثر خبرة و معرفة  بإفريقيا من زاوية المصالح الاقتصادية بحكمه إدارته لعملاق النفط الأمريكي اكسون موبايل و إشرافه على العديد من المشاريع النفطية بإفريقيا.

و يُعرف تيليرسون بنظرته البراغامانية حيث استطاع بناء  علاقات بزعماء بعض الدول الإفريقية المصدرة للنفط كنيجيريا و انغولا و تشاد و الموزمبيق بغض النظر عن الأحوال السياسية و الاجتماعية الداخلية لهذه الدول.

و لا يعني تراجع الاهتمام الأمريكي بإفريقيا أو على الأصح مرونة أو عدم اكتراث واشنطون بقضايا التنمية و ملفات حقوق الإنسان و الديمقراطية بإفريقيا أن  واشنطون ستتخلى  عن الملف الأمني بإفريقيا خاصة ما يتعلق منه بمحاربة الجماعات الإسلامية المتشددة، لأن موضوع "محاربة التطرف الإسلامي" يشكل احد أولويات برنامج ترامب الانتخابي في إطار سياسته الخارجية، و ذلك في الوقت الذي تعزز فيه تدخل الولايات المتحدة الأمريكية العسكري بإفريقيا في الملفات المتعلقة بمحاربة هذه الجماعات و امتلاكها لقاعدة عسكرية بجيبوتي و إنشائها لقاعدة عسكرية جوية مؤخرا في النيجر لتمكينها من رصد الحركات الجهادية الناشطة بمنطقة الساحل.