هل حسم الرئيس خلاف "الأقران" داخل الأغلبية الحاكمة؟

 تعيش الأغلبية الداعمة للرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز بوادر تحول هي الأهم منذ اندلاع الحرب الباردة بين أقطابها الثلاثة عشية تنصيب الوزير الأول يحي ولد حدمين على رأس الهرم التنفيذى فى العشرين من أغشت 2014.

قرار لم يستوعبه الممسكون بزمام الأمور التنفيذية والسياسية منذ انتخاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز 2009، وساهم فى التمرد الداخلى قدر من التساهل والتغاضى عمل به الرئيس خلال الفترة الأخيرة، كانت نتائجه وخيمة على صورة السلطة وتماسك النظام ومكانة الرئيس.

حاول الحلف المطاح به الاستفادة من مكانته الوازنة داخل الحكومة (نصف أعضاء التشكلة الأولى) الإدارة الإقليمية ، مع حضور مؤثر فى الواجهة السياسية للسلطة (حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم)، وأخيرا أنضاف بعض الدعم العسكرى من أطراف فاعلة فى المشهد الداخلى خلال السنوات الأخيرة.

شكلت عودة الوزير الأول السابق مولاي ولد محمد لغظف للواجهة بعد تعيينه من جديد فى الحكومة رسالة سلبية للطرف الجديد (ولد حدمين ورفاقه)، وأغرت آخرين بمسار التمرد الداخلى الذى قادوه بقوة داخل الهرم التنفيذى وعلى الأرض، من خلال عودة مظاهر الاستقطاب الحاد بين رموز الأغلبية ، وخصوصا فى الشرق الموريتانى.

ومع زيارة الرئيس الشاملة للحوض الشرقى، ظهر الصراع على أوجه (مارس- ابريل 2015) ، حيث أنقسمت القبائل بين داعم لولد حدمين ومتحالف مع ولد محمد لغظف، وأثمر الفرز المحلى كتل بالغة التأثير فى القرار السياسى، متنافرة حد الاصطدام المباشر.

وفى الطرف الآخر حاول الوزير اسلكو ولد أحمد أزدبيه الحضور بشكل أو بآخر، من خلال التركيز على مقاطعة "أظهر"، والعمل مع بعض دوائر السلطة (الديوان والتشريفات) من أجل الحضور فى واجهة العمل الحكومى، دون أن تسعفه تحالفات قبلية وازنة أو تحالف أطر مقنع.

غير أن ولد أزدبيه الذى حضر نفسه بشكل قوى لخلافة الرجلين فى المرحلة اللاحقة (2016) من خلال التوارى عن الأنظار، والظهور بمظهر الوزير المنشغل بالأداء الحكومى (وزارة التجهيز) دون الانخراط فى التجاذبات القائمة بين أطر الشرق الموريتانى على وجه الخصوص.

لم تعمر أحلام ولد أزدبيه كثيرا، حينما نجح الوزير الأول يحي ولد حدمين فى تحييده من واجهة الفعل الحكومى، ليغادر الوزارة إلى سلطة التنظيم، مكتفيا من الغنيمة بالإياب، ومن الطموح بتحصيل ما يعينه على قادم الأيام، فى ظل مشهد متغير بشكل مخيف.

لم تنهر أحلام ولد أزدبيه أو لم تخنه الحظوظ بشكل كبير، حيث قفز للواجهة من جديد عبر بوابة الخارجية ، بعد الإطاحة – غير الأخلاقية – بالدبلوماسى والوزير حمادى ولد أميمو، الذى أقيل بعد ثلاثة أشهر من توليه المنصب، قبل أن يعاد تصحيح الخطأ بتكليفه بالسفارة الموريتانية فى الرياض، ضمن مساعى موريتانية تهدف إلى تعزيز التعاون بين البلدين.

مع الأيام قوت شوكة الوزير الأول يحي ولد حدمين، بعد أن نال دعما غير ملعن من أطراف فاعلة فى صناعة القرار، وأثمرت مساعى الصلح التى قادها رئيس الحزب الحاكم سيدى محمد ولد محم بين الرجلين ( يحي ولد حدمين ومولاي ولد محمد لغظف) عن تراجع مكانة الأخير لدى التحالف الذى يعتبر ولد محم أحد رموزه، دون وهي تيار يعتمد الحضور والتأثير والفاعلية داخل هرم السلطة أن تكون الوزارة الأولى ضمن أجندته، عكس التيار الآخرين، فبين مصارع من أجل الاستمرار فيها، وراغب فى العودة إليها ومتشوف لفرصة تمنحه مقعد الوزير الأول بعد تغيير كبير.

ظل الرئيس يدير الأمر بقدر من اللامبالاة، وكلما كلف أحد معاونيه بملف ، غنى أشياعه بقرب انبلاج فجره، وكلما سلب بعض الصلاحيات فرح الآخرون بقرب رحيله، دون أن يسقط أحد الأحلاف بالمرة أو تدول الأغلبية المطلقة لغريمه، فى مشهد أربك الوضع الداخلى، وعمق الصورة القاتمة لدى البعض عن مستقبل البلاد وإمكانية تسييرها لأكثر من مأمورية أخرى من طرف التحالف الحاكم فى الوقت الراهن.

غير أن الضربة القوى التى تلقاها الرئيس من بعض كبار الفاعلين فى نظامه، وإجهاض حلمه بتمرير هادئ للتعديلات الدستورية – رغم صخب المعارضين- شكل بداية التحول المحتمل فى ميزان القوة داخل البلد، وسط معلومات أولية عن انتهاج الرئيس لمسار جديد فى التعامل مع الداعمين له، والتحضير لمرحلة سياسية جديدة قد تكون ملامحها الأولية مقروءة لأصحاب البصيرة والتأمل فى المؤتمر القادم للحزب الحاكم، ولكن شكلها النهائى يظل بيد الرئيس فى انتظار الثامن عشر من يوليو 2017 (الذكرى التاسع لأول انتخابات يشارك فيها) من أجل رسم ملامح الجمهورية الثالثة التى سعى إليها الرئيس ونظر لها الحزب الحاكم، ويعمل أركان حكمه من أجل تمريرها فى استفتاء تعارضه المعارضة وتنتظر الأغلبية نتائجه بتوجس كبير، وتراهن قوى إقليمة ودولية على إسقاطه، من أجل ضرب مصداقية الرجل فى الساحة أو التحضير لفعل آخر، لاتزال معالمه مجهولة للجميع.