الرئيس الراحل "أعل" في ذاكرة مغترب

كنت أقيم في منطقة الخليج العربي منذ 1997، وقد ترددت على البلاد كزائر من حين إلى آخر دون أن أفكر مطلقا بالعودة والاستقرار بها, حتي سنة 2007 وبع الإطاحة بنظام معاوية ولد سيد أحمد الطائع على يد مجموعة الضباط, الذين كان يقودهم الراحل: أعل ولد محمد فال. وغداة تلك الأجواء الإيجابية التي سادت البلاد في هذه الفترة, وخاصة مناخ الحرية الذي ميزها في الإعلام الرسمي قبل الخاص. فضلا عن اغلاق السجون بعد افراغها, من سجناء الرأي والسياسة, فانبعث أمل جديد في نفوس الناس , وظننا أن هناك ميلادا جديدا للدولة تطبعه حرية الرأي وكذا حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات.

 فضلا عن التأسيس لحقبة وطنية للحكم الرشيد تمثلت في كثير من الإجراءات, وتدابيرالحكم الرشيد توج بإشراف الحكام الجدد, على انتخابات ديمقراطية إلى حد كبير,تميزت -على غير العادة- بوفاء قادة الحركة التصحيحية (و رئيسهم) بوعدهم بعدم الترشح في تلك الانتخابات.

 وكان أن تم انتخاب أول رئيس مدني للدولة الموريتانية في انتخابات تعددية شكلت علامة فارقة في مسار البلاد.

وكنت حينها أراقب الأوضاع عن بعد في لهفة وشوق لنهايات عقد كامل قضيته من حياتي بعيدا عن الوطن والعشيرة.

 وتمر الأيام  كالسنين, من شدة توقي للعودة إلى ارض الوطن, وحماسي لمشاركة الأهل والأحبة فرحتهم, بالأمل الجديد, ممثلا في ان  بلادنا قد  تخلصت أخيرا

- وبعد طول انتظار- من الأحكام العسكرية الجائرة التي طال ليلها  ونتشر,وأن تلك الأحكام قد ولت الى غير رجعة.

 ورغم ما في هذه الغربة من متع, إلا أن تلك المتعة تظل من دون الوطن وأهله لا تمثل شيئا إذا ما قورنت بالإحساس المفقود بالوطن.                               

 وماهي إلا أيام حتى أصل أرض الوطن بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالرئيس السابق: سيد محمد ولد الشيخ عبدالله. ومع أني لم أدعم ترشح الرجل, ولا انتخابه, إلا أني كنت مسرورا بنتيجة الانتخابات, نظرا لشفافية صندوقها,  وعلي اعتبار أنه على علاته, ليس سوي رئيس لديه ولاية محددة دستورا وستنقضي ثم يذهب ويأتي آخر, كما يحدث في الديمقراطيات.

ولكن تمر الأيام سريعا, وتأتي الرياح بما لا تشتهي السفن, ثم يقع الانقلاب (الكارثة) الذي قاده الجنرال عزيز, ولما أكمل السنة في الوطن.

فيتحول الأمل إلى يأس, والتفاؤل الى قنوط، وأخذت احزم امتعة الرحيل في طريق التيه والعودة إلى المجهول, وأفتش عن جوازي الذي كنت قد فارقته من يوم وصلت وانفض عنه الغبار وأتمتم له بقول الشاعر:                                

كُتبتْ قسوةُ الشَتاتِ علينا :: فسنونٌ قحطٌ وسبعٌ شدادُ

وبلادٌ ورحلةٌ وجوازٌ::      وجوازٌ ورحلةٌ وبِلادٌ.