بوصول اليمين المتطرف إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، التقت رغبة إدارة البيت الأبيض مع إرادة حلفائه الاستراتيجيين في الشرق الأوسط في محاربة حركات "الإسلام السياسي"، وخاصة في حركته الأقدم والأوسع انتشاراً، "الإخوان المسلمون".
وهذا ما يفسّر تزايد الحديث في واشنطن عن إمكانية إدراج نظام اترامب لهذه الحركة على القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية. حيث سيسمح قرار مثل هذا -إذا ما اتُّخذ- لليمين الأمريكي بالحصول على أساس قانوني يحارب من خلاله الواجهات الإسلامية الأمريكية، ويغلق الجمعيات الخيرية، ويُلجم ويتابع القيادات الدعوية والسياسية البارزة. كما سيحقق أيضا على المستوى الخارجي مطلباً ملِحّا لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة مصر والإمارات وإسرائيل..
لقد بذل نظام السيسي ما في وسعه خلال الأعوام الماضية لإقناع واشنطن بأهمية تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية. وأعد ملفا أمنيّا كبيرا لهذا الغرض، حسب تقرير لنيويورك تايمز، قدمه لوزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري يدويّا أحد كبار قادة المخابرات المصرية، في محاولة مشابهة لما سعى إليه نظام الإمارات العربية المتحدة مع ابريطانيا قبل عامين. ومع ذلك لم تقتنع إدارة الرئيس أوباما حينها بتلك الحجج و "قررت وزارة الخارجية الأمريكية أن الإخوان المسلمين لا تتحقق فيهم الشروط اللازمة لهذا التصنيف. لأنه لا توجد أدلة على أن قادتهم أعطوا الأوامر، بشكل ممنهج، للقيام بأعمال إرهابية"، حسب نفس الصحيفة.
إلا أن نقاش هذا القرار عاد بقوة منذ وصول الإدارة الأمريكية الجديدة، في ظل الحضور اللافت لعرّابي اليمين المتطرف وتأثيرهم على قرار البيت الأبيض. ويكفي هنا أن نذكر بأن أول مستشار عيّنه اترامب للأمن القومي (مايكل فلين) هو من وصف من قبل الإسلام السياسي بأنه "سرطان في جسم العالم الإسلامي". وأن كبير مستشاري البيت الأبيض ستيف بانن، منتج الهوليود السابق، بنى تاريخه السياسي على تخويف الأمريكيين من الغول الإسلامي، والتحذير من انهيار الولايات المتحدة وقيام "الدولة الإسلامية الأمريكية" بدلها. وهو من اعتبر في فيلم له سنة 2007 أن "حركة الإخوان المسلمين هي منبع الإرهاب المعاصر".
ولا يقتصر هذا الأمر على مستشاري اترامب فحسب، فقد لوحظ أن وزير خارجيته -أيضا- في خطاب ترشيحه أمام الكونغرس جمع بين تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين ك "عناصر للإسلام الراديكالي"، في إشارة إلى التوجه الجديد للدبلوماسية الأمريكية. وهو الخلط الذي قام به اترامب نفسه يوم أمس في قمة الرياض؛ حين جمع "الإسلاميين" و"الإرهاب الإسلامي" في سلّة واحدة. ولعل من أهم ما أعاد نقاش هذا الموضوع في الآونة الأخيرة، تقديم السيناتور الجمهوري البارز تد كروز -صحبة أخرين- لمشروعيْ قانون يطالب فيهما وزارة الخارجية الأمريكية بإدراج الحرس الثوري الإيراني والإخوان المسلمين على لائحة المنظمات الإرهابية الأمريكية. وقد علق كروز على ذلك، في إيجاز صحفي نشره على موقعه 10 يناير 2017، بالقول: "لقد حان الوقت لأن ننادي هذا العدو باسمه".
لكن الإشكالية التي ظلت مطروحة ولاتزال، في حال اتخاذ قرار من هذا القبيل، تكمن في تحديد ماهية هذه الحركة، وعدم وجود جسم متجانس بهذا الاسم وهذه الصفة في عموم البلدان الإسلامية. بالإضافة إلى أن بعض من يُنسب إلى القوم أو يتقاطع معهم في الرؤية السياسية يوجدون الآن في عدة حكومات ديموقراطية: مثل المغرب وتونس وتركيا.. ومنها الحليف القوي للولايات المتحدة، كالأردن التي ضغط ملكها -صديق الغرب- ضد قرار من هذا النوع، حسب بعض المعلومات الصحفية. وهذه الإشكالية هي التي قد تجعل اقتصار القرار على حركة الإخوان المسلمين في مصر هو الخيار الأنسب لدى الحكومة الجديدة، أو الاكتفاء -ربما- بالتعامل الانتقائي الذي طبع سياسة الإدارات الأمريكية السابقة، واختاره البريطانيون عقب تحقيقات 2015.
غني عن الذكر أن قراراً من هذا النوع ستكون له مضاعفات كبيرة، ليست على حركة الإخوان المسلمين فحسب، وإنما على عموم ما يعرف بتيارات الإسلام الوسطي. فهو، وحتى إن لم يشمل الدول الأوروبية، سيكون أساساً قانونيا لتجميد أرصدة العديد من الجمعيات المدنية ورجال الأعمال في الغرب، وإغلاق المنظمات الخيرية وملاحقة السياسيين.. كما سيُتّخذ ذريعة أساسية للتضييق على عموم الإسلاميين من قبل الأنظمة العربية الحاكمة والنخب العلمانية، التي ازداد عداؤها لهذه التيارات عقب موجات ما عرف بالربيع العربي. وهي العواقب والنتائج السلبية التي يتزايد الحديث عنها في واشنطن جديًًا، منذ فبراير الماضي. فهذا القرار لا يحتاج حتى على موافقة الكونغرس، الذي يمتلك فيه الجمهوريون أغلبية مريحة على كل حال، وهو ما جعله تحت رحمة المزاج المتقلب للرئيس الأمريكي الحالي دونالد اترامب. وعلى الرغم من تأخر هذا الإجراء، بضغط من وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الأمن القومي، بسبب ما يعتبرانه غياب الأسس الموضوعية التي يمكن أن يُبنى عليها ما عدا في ما يتعلق بحركة حماس، المصنّفة أصلا كمنظمة إرهابية، والتي أصبحت خارج مظلة الإخوان المسلمين الشهر الماضي، إلا أنه قرار يجب توقّعه في أية لحظة.
ومع أن فريق الرئيس الأمريكي الجديد بدأ يدرك شيئاً فشيئاً أن دعاية الحملة الانتخابية تختلف عن آليات الحكم ومقارباته، ويعمل على أساس هذه الحقيقة التي تدفعه يوميا إلى الأخذ بها أجهزة الدولة البيروقراطية. وأن جولة اترامب الشرق الأوسطية والأوروبية قد تفتح أعين حكام واشنطن على عدم حصافة قرار من هذا القبيل، ستصل تداعياته إلى العشرات من دول العالم. إلا أنه، وفي ظل تقلبات المشهد السياسي الأمريكي واستمرار تعثّر مشروع "اترامب-بوتن"، يمكن أن تقدم هذه الإدارة بسهولة على مثل هذا القرار لأسباب داخلية. فالضجة الإعلامية التي ستصاحبه ومتطلبات التنفيذ الدولي، أمنيا وسياسيا، ستكون كافية للفت الانتباه خارج الحدود الأميركية لبعض الوقت. وهو الأمر الذي قد يكون ضروريا لرئيس تلاحقه الفضائح منذ تسلمه مقاليد السلطة. كما أن هذا الإجراء سيحقق -كما أسلفنا- مطلباً تقليدياً لحركة "اليمين البديل" Alt-Right، الداعم الرئيسي لدونالد اترامب، علاوة على كونه رغبة يدفع باتجاهها بعض حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، كمصر والإمارات. وليس من الوارد أن يعترض عليه البعض الآخر، حتى وإن لم يتحمس له، كالمملكة العربية السعودية، طالما أنها هي نفسها تصنف هذه الحركة كمنظمة إرهابية.