كشف قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر، وانخراط الخارجية الموريتانية فى حملة إعلامية شرسة ضد الحليف السابق، خروجا غير مألوف على الأعراف الدبلوماسية التى ظلت تحكم الخارجية الموريتانية منذ تأسيس البلد، وسقوطا يعكس حجم الفشل الذى آلت إليه بعض الأجهزة التنفيذية بموريتانيا، وضعف الرؤية السياسية التى تسير بها، ناهيك عن الارتماء فى أحضان الغير لسابق ود أو طمعا فى مكانة قد تصنعها المواقف المبتذلة وقت الضيق، دون الاهتمام بالأضرار المصاحبة للقرار أو الخسارة المحتملة للبلد، عبر إظهاره ضمن جوقة الصغار المسيرين من بعض العواصم العربية والإسلامية دون وعي أو تقدير لعواقب الأمور.
لم ينتظر وزير الخارجية العائد للتو من جمهورية مالى انقشاع غبار الوساطة الكويتية ( الأقرب من حيث المكان والمصالخ لدول الخليج الثائرة ضد قطر)، ولا ردود الفعل العالمية على قرار مقاطعة جائر لبلد عربى شقيق، تظل العلاقة معه مطلوبة مهما كانت الخلافات السياسية مع حكامه، ولم تتدرج الخارجية فى بيانها المفاجئ وموقفها المبتذل من حليف لقطر إلى عدو فى زواله مصلحة للأمة، ومن رغبة فى تعزيز التعاون المشترك إلى العمل من أجل تعزيز الحصار الظالم ودفع الأطفال والنساء إلى الموت جوعا فى محيط متخم بالثروة ، لقد هزلت معالم العمل المشترك الذى بشرت به الخارجية وأنحاز له النظام فى بيانه الأخير.
لقد بدت الصورة مثيرة للشفقة والضحك فى نفس الوقت، فقطر الراعية للإرهاب المنبوذة من قبل النظام السياسى الحاكم بموريتانيا، هي ذاتها الدولة العربية الوازنة والشقيقة قبل أشهر، والتى هلل النظام لمشاركة رموزها المحاصرين اليوم بعد أن قاطعه أعراب الخليج فى قمة العرب الأخيرة بنواكشوط.
لقد ظهرت الخارجية الموريتانية وهي مرتبكة وأسيرة لموقف الأعراب المقاطعين للجار القريب، فلا تصريح اعلامى أو امتعاض علنى من موقف محدد، أولفت انتباه لخطورة الوضع القائم، أو تخفيض للعلاقة الطويلة بين البلدين، أو سحب للسفراء تمهيدا لإعلان "الموقف العار"، بل إعلان حرب بشكل مفاجئ، وقطع متسرع للعلاقة الدبلوماسية دون ترتيب الموقف أو انتظار دول أخرى وازنة يمكن الركون لها، لقد كان مخجلا اصطفافنا مع "الملديف" و"حفتر" و"منصور هادى" فى مشهد لم يتوقعه أسوء المتشائمين !...
لايمتلك وزير الخارجية اسلكو ولد أزدبيه أي قدرة على تسويق الموقف الذى دفع الحكومة إليه، فمثله لا يحسن سوى صنع المشاكل وإثارة الفتن والدفع باتجاه التصعيد دون معرفة النتائج، لذا بدت الصورة مخجلة فى المشهد الخارجى بفعل سوء الإخراج والتدبير، وتراجعت النظرة حتى داخل الأغلبية ذاتها لاستقلالية القرار الموريتانى بعد أن ظل خلال السنوات الأخيرة مصدر فخر للمحيطين بالرئيس، بعد أن تمكن من قطع العلاقة القائمة مع الكيان الصهيونى فى قمة "غزة" بدولة قطر (الإرهابية اليوم)، فى مشهد هللت له النخب العربية وسالت من أجله أقلام كثيرة، وكادت مواقفه من التدخل الفرنسى بمالى وليبيا تقنع المحيطين به بوجود دولة يقرر رئيسها مايريد بغض النظر عن ضغوط الآخرين، وتحكم قرارها السياسى مصالحها الداخلية لا رغبات الغير، إنها الصورة التى بددها الوزير ببيانه الهش الأخير.
سيد أحمد ولد باب / مدير زهرة شنقيط