عودة أزمة الكهرباء للعاصمة و"المرخى" يلوذ بالصمت تجاه ضحاياه

تعيش مناطق واسعة من العاصمة نواكشوط على وقع انقطاع متكرر للكهرباء خلال العشرية الأخيرة من رمضان، وسط غياب أي تفسير من الشركة المكلفة بتسيير القطاع، وانتقاد متصاعد للقائمين عليها بفعل غياب الرؤية اللازمة لحل الإشكال المتكرر.

 

وتضررت محال تجارية كبيرة بفعل أزمة الشركة الداخلية وضعف خطوط التوصيل وارتباك الفنيين المكلفين بمعالجة الأمر، مع تباين فى المواقف الداخلية من منتقد لما آلت إليه الأوضاع الحالية، ومتفهم لسياسات الحكومة رغم اشتراكه فى المأساة جراء العجز عن توفير الكهرباء للمنزل الذى يأوى إليه.

 

لايعرف كثير من ضحايا الشركة وسوء التسيير المستمر وجه المدير المعروف بعلاقاته الشخصية مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز، لكنهم يتداولون بعض القصص عن علاقة الرجلين، خصوصا فى مجال ممارسة الرياضة بعد صلاة التراويح فى رمضان، أو بعد صلاة المغرب خلال أشهر السنة الأخرى.

 

يسخر أغلب المدونين من حال الشركة فى ظل إدارة "المرخى"، ويتطلعون إلى اتخاذ الحكومة – الموسومة بالضعف من قبل معارضيها- من أجل تخفيف الأضرار الناجمة عن الوضع الراهن.

 

فى السادس عشر من يونيو 2016 أثارت الأزمة غضب نواب البرلمان الموريتانى، وتقدمت النائب عن حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية المعارض هندو بنت محمد الأمين بسؤال لوزير الطاقة الموريتانى أحمد سالم ولد البشير من أجل معرفة الإجراءات المعمول بها لتجاوز الأزمة الراهنة.

 

وتقول النائب هندو بنت محمد الأمين إلى أن الإنقطاعات المتكررة للكهرباء على مستوى العاصمة وما خلفته من أضرار جسيمة على المواطنين، منبهة إلى أن هذه الانقطاعات تزامنت مع نهاية العام الدراسي وما يتطلبه ذلك من تركيز على المراجعة بالنسبة للطلاب والتلاميذ.

وطالبت الوزير بتقديم خطة قطاعه للتغلب على النواقص الملاحظة على مستوى أداء الشركة الوطنية للكهرباء، مستغربة تسجيل هذه النواقص في ظل زيادة كمية إنتاج الطاقة.

كما طالبته بعرض الجهود التي يقوم بها بوصفه مسؤولا عن تسيير هذا القطاع لتطبيق مبدأ الشفافية والحد من الفساد المالي والإداري في هذه الشركة.

واستغربت ثبات أسعار فكاتير الكهرباء رغم الزيادة الكبيرة في إنتاج الكهرباء خصوصا أن هذه الزيادة أتت مرافقة للانخفاضات الكبيرة التي شهدتها أسعار المحروقات على المستوى العالمي كما أن هذه الزيادة يعود جزء منها إلى محطات الطاقة المتجددة رخيصة التكلفة.

 

 

فى مواجهة الظلام

 

وضعية لم تقنع وزير الطاقة الموريتانى ساعتها أحمد سالم ولد البشير ( وهو يتمترس خلف مولد كهربائى من صنع حديث)، قائلا إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز أعطى منذ انتخابه سنة 2009 أهمية خاصة لإعادة هيكلة وتنمية قطاع الكهرباء الشيء الذي جعل العمل الحكومي يركز في البداية على وضع رؤية إستراتيجية على المدى البعيد لبلوغ هذه الغاية.

واستعرض الوزير ما أسماه بالانجازات التي شهدها هذا القطاع خلال الفترة من 2009 إلى 2015 حيث مكن المخطط الرئيسي لإنتاج ونقل الكهرباء في أفق 2030 الذي اعتمد سنة 2012 من تحديد أهداف واضحة في مجال النفاذ إلى الكهرباء.

وأشار إلى أن الرؤية الإستراتيجية المنبثقة عن هذا المخطط ركزت على زيادة قدرات الإنتاج من خلال استغلال المصادر المحلية المتاحة، وتطوير شبكة الاتصال والربط البيني مع الدول المجاورة، والرفع من نسبة الطاقات المتجددة، ووضع حلول للكهربة اللامركزية تتلاءم مع متطلبات المناطق المعزولة.

وعدد المحطات الكهربائية التي تم بناؤها خلال السنوات القليلة الماضية والتي مكنت من زيادة القدرات الإنتاجية بشكل كبير كمحطة عرفات 2 ومحطة المرفأ والمحطة الشمسية(الشيخ زايد) والمحطة الكهرومائية ومحطة نواكشوط الهوائية ومحطة نواكشوط المزدوجة وتوسعة محطة نواذيبو إضافة إلى تقوية المحطات داخل البلاد.

وكشف الوزير عن وجود جملة من المشاريع سيتم انجازها قريبا ستساهم في تدعيم هذه الانجازات تشمل بناء عدد معتبر من المحطات الكهربائية في نواكشوط وفي بعض الولايات الداخلية.

ويقول الوزير إن البنية التحتية التي تم إنجازها في أقل من ست سنوات مكنت من زيادة خطوط الشبكات متوسطة ومنخفضة الجهد بنسبة 124% كما مكنت من مضاعفة عدد المشتركين المرتبطين بالشبكة الكهربائية للشركة الوطنية للكهرباء ليصلوا إلى ما يناهز 220000 مشترك سنة 2016.

وأبرز وزير البترول والطاقة والمعادن أن الزيادة السريعة والهامة في القدرة الإنتاجية الناجمة عن مضاعفة مراكز الإنتاج وإدخال مصادر إنتاج بديلة كالطاقة الشمسية والهوائية والتقنيات المرتبطة بها لا بد أن تمر منطقيا بمرحلة انتقالية يتم فيها ضبط وتعديل الأجهزة وهو ما يفسر جزئيا الاضطرابات والانقطاعات في التيار الكهربائي.

 

وأشار إلى أنه وحتى أن تكتمل الأشغال بصفة نهائية في هذا البرنامج كما هو متوقع في بضعة أشهر والتي ستضع حدا لهذه الانقطاعات فإن الشركة الوطنية للكهرباء تبذل كافة الجهود الممكنة للتحسين من جودة واستمرارية الخدمة وبالتالي جعل فترات انقطاع التيار الكهربائي أقصر ما يكون.

 

مرت الأشهر التى وعد بها الوزير دون أن يتغير الوضع على الساحة المحلية، ولا تزال مجمل منازل الوزراء وكبار المسؤولين عالة على مولدات الكهرباء الخاصة، بينما يقبع بقية الشعب فى الظلام الدامس كل ليلة.

 

وقد شكلت الدعاية الحكومية بشأن الحلول المطروحة للأزمة فرصة للشركة من أجل توسيع رقعة الضحايا، حيث زاد عدد المشتركين ب 50 ألف مشترك جديد، لكنهم فى الأزمة سواء.

بعد السؤال بأشهر غادر الوزير منصبه مستفيدا من وشاية أطاحت بسلفه فى الإدارة العامة للشركة الوطنية للصناعة والمناجم، بينما لاتزال المشكلة قائمة فى انتظار وعود وزير آخر ودفاع أغلبية برلمانية تعانى من الظلام الدامس فى الليل، وتدافع عن انجازات الشركة فى النهار.

 

 

لايمتلك الوزير الحالى محمد ولد عبد الفتاح أي سلطة فعلية على المدير، فالشاب القادم من خارج المنظومة الحاكمة لم تتح له التجربة فرصة ممارسة الرياضة مع كبار الفاعلين فى صنع القرار، بينما يتمترس المدير المتهم شعبيا بالفشل وسوء التسيير خلف علاقة قوية تمنحه الاستقرار فى منصبه دون منجز يذكر أو فعل مقنع لضحاياه كل ليلة وهم بالآلاف داخل العاصمة وخارجها، مع شكر يتلقاه بالطبع من عتاة المجرمين ، الذين يترصدون كل لحظة انقطاع للكهرباء – وهي كثيرة- من أجل سلب فقير ماكنزته يداه لقادم الأيام.