نعرف جميعا ظاهرة التصحر والمآسي البيئية والإنسانية التي تعرض لها مجتمعنا ابان جفاف عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، مما تسبب في نزوح جماعي للكثير من مواطنينا الي المدن الشاطئية، لقد أتاح قطاع الصيد فرصة ثانية ثمينة لبعضهم،ونظرا لأن شواطئنا من أغنى الشواطئبالمواردالبحريةالوفيرة، وبما أنالبحرلايشبهاليابسة،فقدنعتقدبان تلك الموارد غيرمُعرضةبدورهالتدهور الموارد علىغراراليابسة.
إن الحياة في اعماق البحر في منطقتنا البحرية الخالصة ZEE مهددة بشكل كبير، مما سينعكس سلبا على مواردنا البحرية،فمن المعلوم ان قطاع الصيد يعد رافدا هاما لاقتصادنا الوطني ولأمننا الغذائي لما يوفره لخزينة الدولة واسهامه في توفير مواطن الشغل من والتي يعتمد عليها اقتصادنا وأمننا الغذائي بشكل كبير، وقد حان الأوان للتحرك الفاعل لمنع تدهور كارثيآخر وربما اخير، خصوصا باننا نملتك زمام الامور هذهالمرةفي البيئة البحريةعلى خلاف التصحر على اليابسة.
إرث عالمي مخفي في مياهنا العميقة
ان التنوع البيولوجي للأعماق السحيقة فريد من نوعه، فهو ملجأ لعديد الكائنات التي تقضي فيه كامل حياتها ،او تلك التي تكتفي بفترات محددة من دورة حياتها فيه ،إن هذه البيئة البحرية في بلادنا تضم حيدا من الشعِاب المرجانية (المكافئ للغابات المدارية) ،والذي تم اكتشافه مؤخرا بفضل تقنيات الاستكشاف الحديثة ،و يبلغ طول هذا الحيد 500 كم ،ابتداء من راس تمريس وحتى جنوب نواكشوط،إن هذا الحيد هو الطرف الجنوبي لشبكة من الشِعاب المرجانية تمتد لمسافة 4500 كم وحتى الرأسالشمالي بالنرويج ،ليكسر بذلك الرقم القياسي للحاجز المرجاني المشهور في استراليا والذي يبلغ طوله 2600 كم ،إلا أن هذا الاخير تمكن مشاهدته حتي من القمر بسبب كونه ينمو في المياه قليلة العمق، عكس حاجزنا المرجاني الذي يوجد مختبئا بعمق 500 م في بيئة مياهها باردة ومظلمة تعتمد الحياة فيها علي الغذاء المنتج في الطبقات العليا ذات الإضاءة الجيدة والمغذيات.
ان هذا الحاجز ذو البنية الكلسية، والذي يبلغ عرضه 1700 متر وارتفاعه 100متر، والمُتشكل بفعل العمل الدؤوب لكائن المرجان على امتداد 12000 سنة، يوفر الملاذ والملجأ لكائنات عديدة مثل المحار والاسفنجيات والقشريات وبيوض الكثير من الانواع كالأخطبوط والعديد من الاسماك التي تنتشر فيه بغزارة لتختبئ عن مفترساتها.
اوقفوا تصحر المحيط: الجهد العالمي سبقنا
في عام 2005 طالب عدد من العلماء والمنظمات المدافعة عن البيئة وبعض الساسة الامم المتحدة بأجراء حظر لصيد الاعماق pêche au chalut de fond،إن تقنية الصيد الصناعي هذه تعتمد على استخدام شِباكساحبة عملاقة(الترولة) مزودة بأوزان ثقيلة وعجلات معدنية تجرف الاعماق،حيث تجمع الاسماك والقشريات وتقضي على الشعاب المرجانية تاركة وراءها قاعا صفصفا،يُشبِه علماء الاحياء البحرية هذا النوع من الصيد بمن يقطع الغابة للقبض على السناجب!.
كحل وسط توصلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار يتضمن لائحة بإجراءات لحماية بيئة الاعماق من مضار صيد الترولة ونذكر هنا اربعة اجراءات هامة من ذلك القرار:
• يجبعلىالدولانتجريتقييماتلتأثيرصيدالاعماقعلىالبيئةالبحرية؛
• يجبعليهاتحريمالصيدفيالبيئاتالهشة؛
• عليهاضمانديمومةالمواردالبحرية؛
• فيحالعدمتحققتلكالشروطتغادرالاساطيلويحرمصيدالاعماق.
إذا كان القرار المذكور يشكل بادرة حسنة لحماية بيئة الاعماق، إلا أن تطبيقه في الواقع لم يعط النتائج المتوخاة منه اصلا، اما في موريتانيا فان اهمية بيئة الاعماق وهشاشتها غير معروفة لدي صناع القرار او الرأي العام الوطني، فلم يتخذ أي اجراء بعد اكتشاف الحاجز المرجاني والذي يتعرض لمخاطر اضافية تتعلف بآبار النفط، ومع ذلك يبقي صيد الاعماق بالشباك الساحبة هو التحدي الأكبر.
قامتاوروبا بتحريمصيدالاعماقلأكثرمن 800 متربشكلعامو400 مترللمناطقالهشة،فيحينتغوصشباك اساطيلها فيمياهناالعميقةكماتشاء، مسببة تدهورا فظيعا لبيئة الاعماق، كما تواصل سفن لدول عديدة الصيد في تلك الاعماق بوسائل لا تتناسب وهشاشة بيئة الشِعاب المرجانية، إن تصحر هذه البيئة سينعكس بتراجع شديد للتنوع البيولوجي وتدهور غير رجعي لموائل وضع البيضلكائنات ذات قيمة اقتصادية كبيرة، مما سينعكس سلبا على مخزون مصائدنا من تلك الانواع الضرورية لقطاع صيدنا.
إنالبيئةالبحريةالعميقةفيبلادناتضمتنوعابيولوجياهائلالميسبر كنهه لحدالآن، إلاهذاالتنوعمهدداليومبسببالنشاطالمحموموالغيرالمسؤوللأساطيلصيدالاعماق، حيثتهددبتدميرموائلتلكالكائنات، لذلكفلابدمنسنقوانينوطنيةلحمايةتلكالبيئةالتييمكناعتبارهاارثاطبيعياعالمياتجبصيانته.
خطة لإنقاذ البحر في موريتانيا
بعد دراسة مستفيضة للشعاب المرجانية الموريتانية، قام مركز بحوث علوم المحيطات الاسباني (IEO)، ومركز البحوث الالمانيSenckenbergبتقديم النصح للمعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيدIMROPبتحريم صيد الاعماق بواسطة الشباك الساحبة (الترولة) في شريط يمتد بمحاذاة الشاطئ وما بين 300 الي 700 متر (انظر الصورة)، اجراء يجب القيام به بشكل استعجالي لحماية المحيط عندنا من كارثة التصحر.
الاجراءات الضرورية لحماية بيئة الاعماق
الهيبة سيد الخير، مهندس باحث