إغلاق القنوات الخاصة.. تطبيق للقانون أم تعريض بالبلد؟

شكل قرار سلطة البث فى موريتانيا القاضى بإغلاق مجمل القنوات الحرة بالبلد نكسة أخلاقية للمشروع الذى أعلن قبل سنوات، والقاضى بفتح مجال السمع البصرى، وتطوير المنظومة الإعلامية فى بلد يحاول جل أبنائه فرض قطيعة واضحة مع عصور الكبت ومصادرة الرأي الآخر.

 ورغم الحجج الرسمية المقدمة من طرف سلطة البث والقائمين عليها، إلا حجم الضريبة الأخلاقية أقوى من أي تبرير، وحجم النكسة التى مني بها الإعلام تكاد تكون الأهم فى تاريخ البلد، بعد 12 سنة من إلغاء النظم القانونية التى تمنح الحكومة حق مصادرة الصحف أو إغلاق المؤسسات الإعلامية مهما كانت وجاهة المبرر المعلن من قبل الداخلية ( الواجهة الرسمية للقمع خلال الحقبة الماضية) أو المجتمع المدنى والعلاقة مع البرلمان (الواجهة الجديدة المكلفة بوأد أحلام الراغبين فى تكريس ثقافة الحرية والانفتاح).

تمتلك سلطة البث حق تسيير المجال المرئى والمسموع بموريتانيا من خلال تحكمها فى الباقة التى وفرتها المملكة العربية السعودية للجمهورية الإسلامية الموريتانية مقابل مليون دولار سنويا (14 قناة)، لكنها تمتلك وسائل أخرى للتحصيل واسترجاع المستحقات غير قطع البث وتدمير المركز المالى لزبنائها من خلال نزع صبغة المؤسسية عنهم وإجبارهم على الخروج من المجال السمعى البصرى تحت وطأة التشهير والابتزاز، ومنعهم من الوفاء بالتزاماتهم الأخلاقية تجاه المشاهد ، بعد أن عجزوا ماليا عن تلبية التزاماتهم المالية تجاه سلطة البث، بفعل ضعف المؤسسات الإعلامية وصعوبة المجال.

 

حينما يغرق المركب بالجميع

تعتقد سلطة البث جاهدة أنها بتحويل الشاشات الموريتانية إلى سوداء دفعة واحدة، ستدفع ملاكها – ومن بينهم تجار- إلى دفع بعض المال لها قبل نهاية السنة المالية.

لكنها ستدرك بعد مرور الوقت أنها أضرت بالسلطة التى أنشأتها، وأدارت العملية بشكل سيئ. لقد تحولت موريتانيا خلال أسبوع واحد من دولة رائدة فى مجال حرية الإعلام ( حسب التقرير الدولية) إلى أسوء دولة يواجه فيها الإعلام حرب اجتثاث معلنة من خلال حجب القنوات الخاصة ومطاردة كبار الفاعلين فى الصحافة الإلكترونية والورقية.

لقد منحت الحكومة رخص العمل فى الساحة التلفزيونية والإذاعية لطالبيها، وسمحت بإنشاء كم هائل من المواقع الإلكترونية والصحف الورقية، لكنها أعدمت الجميع بقراراتها المتعلقة بمنع الترويج أو الدفع للمؤسسات الإعلامية أو التعاقد معها، وأضافت إلى قوانين الإشهار المؤجلة حملة أمنية ضد المستفيدين المفترضين من القطاع الخاص ( رجال الأعمال) بدعوى الرشوة والتآمر على أمن البلد!. لقد بدت الصورة قاتمة بشكل غير مسبوق، إنها محاولة قتل منظمة للعاملين فى الساحة الإعلامية قبل الغاز الموعود 2021.

يدرك النظام – أو عقلاء النظام على الأصح- أنهم أكثر مستفيد من الوسائط الإعلامية العاملة بالبلد، بحكم احتكار الرئيس وأعضاء الحكومة والحزب الحاكم لأكثر من 70% من الأنشطة المقامة على أرض البلد ويدركون أيضا أن قرار تحرير الفضاء السمعى البصرى كان المشروع الذى دخلوا به الحياة السياسية من أوسع أبوابها 2010 فلماذا يدفعون باتجاه انهياره بهذا الشكل المقزز وغير المسؤول؟.

ستدفع سلطة البث مبلغ مليون دولار للملكة العربية السعودية أبيضت شاشات القنوات الخاصة أو أسودت، فما الذى ستستفيد السلطة رسميا من ضرب القطاع وتركيعه؟

شركة البث طرف فاعل فى المشهد من خلال العقد الذى أبرمته مع القنوات الخاصة ملاكها، ولكن انسحاب السلطة المعلن من الواقع مضر بالسلطة والشركة والقنوات المتعاقدة معها، وتدمير لمصداقية بلد يمر بمرحلة حاسمة فى تاريخه، إنها السنة التحضيرية للانتخابات الرئاسية المقرر تفعيل أهم مواد الدستور فيها، فهل قرر البعض حجب صورة التداول المفترض على السلطة أو دفع الإعلاميين لخندق واحد، بعد أن بات الرئيس وحكومته بفعل الإجراءات التقشفية أكبر مزعج للمستثمرين فى مجال الإعلام؟.

إنها السلطة أو الرئيس على الأصح مطالب بالتدخل لحلحلة الأمور، ووقف الإجراءات غير الأخلاقية الهادفة إلى تدمير الصورة الخارجية لموريتانيا، من خلال إلغاء ديون القنوات، ووضع آلية جديدة للتحصيل فى المستقبل، وإلغاء المرسوم السيئ المصادر لحق الصحفيين فى الإستفادة من الإعلانات والترويج وترك فرصة للمؤسسات الرسمية من أجل تسويق ما قامت به من إصلاحات أو انجازات، بدل الاستمرار فى حرب فرضتها عقليات متخلفة.

إن الدولة التى تنفق مليارات الأوقية من أجل فرض الوعي داخل السكان عبر برامج محو الأمية والتعليم وعمليات التحسيس الوهيمة، هي الدولة المطالبة الآن فقط بإلغاء 300 مليون من أجل السماح للقنوات الخاصة بالقيام بالجانب الأهم من عملية التثقيف ونشر الوعي ومحاربة المسلكيات المضرة وإعطاء صورة حسنة لما آلت إليه أوضاع حرية التعبير بموريتانيا. فهل يستجيب الرئيس قبل انهيار القطاع بالكامل، أم الروح الانتقامية للبعض أقوى من عقول أهل السياسية والمشفقين حقا على صورة بلد تنهار بشكل غريب؟.

  

سيد أحمد ولد باب / مدير زهرة شنقيط