تتجه الأنظار خلال الأسابيع القليلة القادمة إلى المؤتمر العادى لحزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية (تواصل) ، ببعد تحديد تاريخه وانتهاء الإجراءات المحضرة له بشكل كبير، وسط ترقب حذر فى الساحة الإسلامية وخارجها لمعرفة الشخص الذى ستؤول إليه قيادة أكبر أحزاب المعارضة فى البلد، والواجهة السياسية لتيار آخذ فى التجذر بشكل كبير داخل الساحة المحلية بموريتانيا.
إلتزام الحزب بما قرر فى نصوصه الداخلية عشية المؤتمر التأسيسى من تحديد للمأمورية، جعل مسألة تعويض الرجل الأول فى الحزب أهم تحدى يواجهه التيار الإسلامى فى الوقت الراهن، وسنة تجمع بين التأسيس لحزب المؤسسات وإعطاء الفرصة لجيل جديد من أجل قيادة المشروع المشترك، غير المرتبط بشخص الرئيس وغير المتسرع فى الوصول إلى السلطة بحكم الواقع المعقد للبلد وميزان القوى الراجح فى الوقت الحالى للقوى التقليدية (الجيش والقبائل).
وتحكم الخيارات المطروحة لخلافة الرئيس محمد جميل ولد منصور عدة عوامل، بعضها داخلى والبعض الآخر خارجى ( نظرة المجتمع الذى يتحرك فيه) مع خلاف فى الطرح واختلاف فى الرؤى أظهرته مسيرة الحزب الممتدة مابين 2008-2017، يتطلب هو الآخر أن يسير بشكل يعكس الطابع الإسلامى للحزب والطبيعة البشرية لأصحاب التوجه وإكراهات العمل السياسى فى واقع صعب وشعب لم يجرب التناوب الحزبى بشكل كبير.
كما أن الاستحقاقات المحلية الكبرى تفرض هي الأخرى لجوء الحزب إلى الاختيار الواعى من أجل المحافظة على المكتسبات السياسية والمكانة داخل الساحة الحزبية، مع تعزيز الانفتاح الذى بدأه المكتب الحالى على مكونات غير مؤدلجة وقوى نوعية فى المجتمع تحتاج إلى قدر من الرزانة والتعامل الواعى فى مجمل القرارات المستقبلية، والتى يشكل رأس المنظومة الحزبية أبرز المؤثرين فيها بالطبع.
ورغم أن الحالة الداخلية فى حزب "تواصل" تفرض على أصحابها التحلى بقدر كبير من الزهد فى المنصب وعدم التحرك – علنا على الأقل- للوصول إلى الهدف المنشود (منصب الرئيس)، إلا أن الأسماء المطروحة لخلافة ولد منصور بدأت فى التبلور خلال الأسابيع الأخيرة بشكل كبير، وسط تنافس بين الداعمين لكل مرشح، وحيرة بين أصحاب الرأي والكلمة داخل الحزب ، بحكم تقارب الحظوظ بين المرشحين لخلافة ولد منصور، وغياب أي قدرة على الحسم فى الشوط الأول بحكم التعددية السياسية داخل الحزب والاختلاف فى النظرة للعديد من القضايا الداخلية، وصعوبة التكهن بمزاج المرشحين لعضوية المؤتمر.
أبرز المرشحين من الصف الأول (1)
يتداول النشطاء داخل الساحة السياسية وبعض الفاعلين فى حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية (تواصل) أربعة أسماء مرشحة لخلافة الرئيس الحالى محمد جميل ولد منصور ، وسط تفاوت فى الحظوظ والقدرة على التأثير داخل المؤتمر، والعلاقة بالساحة الإسلامية ، الحاضنة الشعبية الأكبر للحزب، وهي أسماء لها تاريخها ونضالها داخل الساحة الإسلامية – مع تفاوت بالطبع- وعلاقاتها الخارجية، وحضورها السياسى فى المشهد الحزبى بموريتانيا خلال السنوات الأخيرة.
والمرشحون الأربعة هم :
محمد غلام ولد الحاج الشيخ
الشيخان ولد بيب
الحسن ولد محمد
السالك ولد سيدى محمود
ولكل مرشح ميزة، ولكل خيار أنصاره، مع سلبيات يضخمها البعض ويغض عنها آخرون الطرف لحسابات سياسية أو محلية ضيقة، أو للتخفيف من آثارها المفترض على حظوظ صاحبها فى أعين المؤتمرين.
فالرئيس محمد غلام ولد الحاج الشيخ ، خطيب مفوه ، وقائد جماهيرى بامتياز، متشبع بالثقافة الإسلامية، وصاحب علاقات دولية آخذة فى التمدد خلال الفترة الأخيرة، تحول من إمام وواعظ يهز المنابر 2000-2003 إلى ميدان العمل السياسى، بعد الأزمة السياسية التى عاشتها موريتانيا، والاستهداف الذى تعرض له التيار الإسلامى على يد الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع وبعض أركان حكمه.
منتخب برلمانى، ونائب لرئيس الجمعية الوطنية ، ورئيس للرباط الوطنى للدفاع عن فلسطين، وعضو ببعض الهيئات الدولية المهتمة بالصراع العربى الفلسطينى، ناهيك عن انتمائه الجهوى الذى يعتبر ميزة لأي مرشح فى الوقت الراهن(تمبدغه فى الحوض الشرقى) ، بحكم الخوف لدى قادة الحزب ومناصريه من تكريس نظرة جهوية يحاول بعض الخصوم وصم الحزب بها، من خلال ترويج لدعاية سياسة مناوئة له داخل الأوساط الشعبية ( المناضلون فى الشرق والقيادة فى الغرب)، وهي دعاية يأخذها قادة الحزب على محمل الجد ، خصوصا فى منعطفات كبيرة كالمؤتمر الحالى.
للرئيس محمد غلام ولد الحاج الشيخ سلبياته دون شك، ولها معارضون كثر داخل الهيئات القيادية للحزب فى الوقت الراهن، بحكم الاحتكاك داخل الهيئات الداخلية والخلافات العميقة قبل اتخاذ بعض القرارات، مما دفع بعض رموز التيار والقوى المحافظة فى الساحة الإسلامية لترشيحه فى المؤتمر الأول للحزب ضد الرئيس محمد جميل ولد منصور بحكم الخلاف القائم بين الرجلين حول طبيعة تسيير المؤسسة والتعامل مع بعض الاستحقاقات الكبيرة، ونمط تسيير الشراكة القائمة مع الغير.
الشيخان ولد بيب :
أما الشيخان ولد بيب فهو ابن التيار الإسلامى وبه عرف خلال العقود الأربعة الماضية، وهو قيادى سابق بالحركة الإسلامية قبل حلها 1994، وناشط فى الساحة الثقافية والخيرية خلال العقدين الماضين، وهو عمدة منتخب لمقاطعة دار النعيم بالعاصمة نواكشوط، وعضو مؤسس – كزملائه- للإصلاحيين الوسطيين، وعضو مؤسس للحزب، ومسؤول عن الشؤون السياسية فيه، وله علاقة بالمنتخبين من وقت لآخر.
ظهر الشيخان ولد بيب للواجهة بشكل كبير 1999-2003 عندما أختير لقيادة أول واجهة معلنة للتيار الإسلامى منذ حل الجمعية الثقافية ، حيث تم انتخابه أمينا عاما لجمعية الحكمة للأصالة والثقافة والتراث.
وأدار الجمعية طيلة سنوات الترخيص لها، حيث توسعت فروعها ( 6 فروع داخل البلد)، وتعددت أنشطتها الثقافية والتعليمية، وأدارت سلسلة من المخيمات الشبابية داخل شرق البلاد وغربها.
كان ولد بيب طيلة تلك الفترة هو الواجهة الفعلية لتيار يحاول الخروج من واقع فرضته أزمة 1994 إلى المشاركة الفاعلة فى الحياة السياسية، وكان رفاقه فى حزب تكتل القوى الديمقراطية ( جميل والسالك ) يتنازعون صدارة المشهد معه مع تخصص يمليه الموقع والموقف.
أعتذر ولد بيب عن الترشح لمأمورية جديدة فى بلدية دار النعيم – وهي حالة نادرة فى البلد- رغم إصرار قادة الحزب، وترك المقد شاغرا إلى آخر لحظة قانونية مسموح بها، وتفرغ للعمل داخل الحزب عبر المهام الموكلة إليه كعضو فى المكتب السياسى وناشط ميدانى فى أكثر من مقاطعة بالعاصمة نواكشوط.
تولى ولد بيب إدارة الحملة الانتخابية الأخيرة للحزب ( المجالس البلدية والنيابة) وتولى قبلها مهمة الحملة ابان ترشحه زميله فى الحزب محمد جميل ولد منصور لرئاسيات 2009 ، وإدارة حملة الشيوخ 2010 بالتعاون مع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم.
للرئيس الشيخان ولد بيب أنصار كثر داخل الحزب يعتقدون أنه الرئيس الأنسب للمرحلة الحالية، وله منتقدون دون شك فى هرم القيادة على وجه التحديد. يؤخذ عليه صعوبة التعامل مع الغير كما يقول خصومه فى أغلب الأحيان، ويرى أنصاره أنه شخصية قوية ومؤثرة وإدارية، وهو أسلوب لم تعهده الأحزاب السياسية المبنية فى كثير من أمورها على منطق المجاملة والتدليل للآخر.
الحسن ولد محمد :
أما الحسن ولد محمد فهو أحد أركان المنظومة الممسكة فعليا بالقرار داخل الحزب فى الوقت الراهن، عمدة لبلدية عرفات كبرى مقاطعات العاصمة نواكشوط لأكثر من دورة، وأول زعيم للمعارضة من داخل التيار الإسلامى، صاحب أخلاق عالية وعلاقة واسعة داخل المجتمع الموريتانى.
أحد الوجوه البارزة فى التيار الإسلامى خلال العقدين الأخيرين، رغم أنه ظهور للواجهة السياسية كان مع بداية الأزمة الأخيرة (2005) وتأسيس الحزب بشكل أهم. من مواليد واد الناقة بولاية أترارزه.
يمتاز الحسن ولد محمد عن العديد من رموز الحزب بالهدوء والقدرة على التوفيق بين الآراء المختلفة والخروج بخلاصات مقنعة، مع الابتعاد عن منطق الصدام داخل الهيئات الحزبية أو خارجها.
السالك ولد سيدى محمود :
يعتبر ولد سيدى محمود أحد كتاب التيار الإسلامى وصناع القرار فيه، عقلانى بشكل كبير، خاض العمل السياسى عبر التحالف المشترك مع رموز المعارضة الموريتانية، وأستمر فى تكتل القوى الديمقراطية ( الذى كان التيار الإسلامى أحد مؤسسيه) إلى غاية الإنسحاب الجماعى من الحزب 2003 بفعل الاختلاف فى تقدير الموقف الناجم عن أزمة الرئيس والإسلاميين وتعامل الحزب مع بعض المنتمين إليه، والرغبة فى الخروج من حالة الركود التى فرضتها أحداث 2003 إلى مواجهة فعلية مع النظام عبر الزج بمرشح قادر على المنافسة من الدائرة الضيقة للفاعلين فى البلد (الجيش)، وهو القرار الذى شمل المنتمين لحزب التكتل والحزب الجمهورى و كان السالك ولد سيدى محمود أحد صناعه والملتزمين له مع مجموعة من نشطاء التيار داخل الوطن وخارجه ( جميل ولد منصور وأحمد ولد الوديعة ومحمد ولد محمد أمبارك وحبيب ولد حمديت واسلمو ولد الدمين ومحمد الأمين ولد بيب..)
شارك السالك ولد سيدى محمود فى أول تجربة للإصلاحيين الوسطيين ( أحد مؤسسيها) وتم ترشيحه من قبل رفاقه على رأس اللائحة الوطنية لأحد الأحزاب السياسية المدعومة بقوة من الإسلاميين، ودخل البرلمان 2006 ، وتولى منصب مقرر الميزانية إلى غاية خروجه من البرلمان 2013.
كان السالك ولد سيدى محمود أحد الفاعلين بقوة فى الحراك المناهض لتقويض أول تجربة ديمقراطية بموريتانيا (2008) ، كما كان أحد قادة الحزب البارزين والمؤثرين فى صناعة القرار فيه.
دخل السالك ولد سيدى محمود فى مواجهة مع رفاقه 2013 بفعل الخلاف حول الموقف المفترض اتخاذه من الانتخابات التشريعية والبلدية، وأعتزل العمل السياسى بشكل كبير بعد خسارة رأيه للأغلبية المطلوبة لاتخاذ أي قرار.
ظل السالك ولد سيدى محمود مستنكفا عن العمل السياسى ومتواريا عن الأنظار إلى غاية مطلع العام المنصرم، حيث بدأ العودة بشكل تدريجى لنشاطه داخل المكتب السياسى للحزب، بعد أن ظل يحتفظ بمنصبه نائبا للرئيس من دون أي تسيير أو حضور للاجتماعات فى أغلب الأحيان.
موقف أخذ من رصيد الرجل النضالى بشكل كبير داخل الساحة الحزبية، لكنه كان فيه متصالحا مع ذاته ومواقفه السابقة، وما يعتقد أنه الخط الأنسب للتيارات الإسلامية فى البلدان غير الديمقراطية.
أبرز المرشحين من الجيل الثانى (2 )
لكن الحراك الداخلى بحزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية (تواصل) خلال الفترة الأخيرة، والرغبة لدى جمهور عريض فى الخروج من مرحلة التجاذب إلى مرحلة التمكين للحزب وتعزيز الحضور، قد تدفع أغلب المؤتمرين إلى التفكير فى خيار من خارج الجيل الأول. فالتجديد يجب أن يكون شاملا، والمسؤولية المشتركة للجميع فى كل المحطات السابقة تجعل من تغيير الرئيس دون غيره فهما ظاهريا للأمور، فاستمرار الاستقطاب مضيعة للوقت، وإبدال مقتنع بالمشاركة والانفتاح بمنظر للمقاطعة والانغلاق إهدار للجهد والوقت والمال، وتمكين للخصم أكثر من تمكين للمشروع.
ويطرح البعض بقوة بعض الأسماء الجديدة نسبيا على المشهد وهي أسماء قادرة على القيام بالدور المطلوب فى المرحلة القادمة ، مع الإقرار بصعوبة المهمة التى سيخلفها تنحية جيل بالكامل عن واجهة المشهد فى وقت تمور فيه الساحة بالكثير من الاحتمالات، وتتطلع فيه النخب إلى تناوب سلمى آخر على قيادة البلد يكرس أحكام الدستور ويفتح الأفق أمام العملية السياسية من جديد.
ويرى أنصار هذا الطرح أن الحزب بعد المطبات التى مر بها بحاجة إلى قيادة تستوعب الجميع، وتنهى التجاذبات القائمة أو الخلافات المعروفة بشكل صريح، مع التحرر من عقدة الماضى وقراراته غير التوافقية، والانطلاقة بروح جديدة تجعل من مصلحة الحزب والوطن أولوية بدل تضميد الجراح وطمر الخلافات أو الدفع بالحزب إلى مواجهة داخلية بين أنصار كل مشروع ورؤية.
ومن أبرز المرشحين الجدد :
محمد محمود ولد عبدى : وهو رئيس اللجنة المركزية للانتساب وعضو المكتب السياسى للحزب فى الوقت الراهن وعضو مجلس الشورى، ناشط سياسى بولاية لعصابة ونائب الفدرالى فيها، مرشح سابق لمنصب عمدة مقاطعة كرو ( أبرز معاقل الحزب فى الفترة الأخيرة) ومسير لمكتب النواب فيها، وأحد مساعدى العمدة الأول للحزب بالولاية عموما.
يمتلك ولد عبدى تجربة نقابية كبيرة، فهو عضو مؤسس فى الاتحاد الوطنى لطلبة موريتانيا أبرز هيئة نقابية بالجامعة، وأمينه العام لأكثر من مأمورية.
يتكلم العربية والفرنسية بطلاقة ويشكل انتمائه الجهوى (لعصابة) ميزة إضافية فى ظل الرغبة فى تداول غير مكتوب على قيادة الحزب بين مجمل مكوناته .
أكناته ولد النقرة : وهو كاتب وأستاذ فلسفة وعمدة لأهم المجالس المحلية بالعاصمة نواكشوط ( بلدية دار النعيم)، عضو فى المكتب السياسى ومجلس الشورى، وأحد الفاعلين بقوة فى المشهد السياسى بالعاصمة خلال الفترة الأخيرة، مع علاقات وازنة داخل التيار الإسلامى .
أحمدو ولد أمباله : وهو رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وعضو المكتب السياسى واللجنة التنفيذية ومجلس الشورى، أحد الطلاب الدارسين فى ألمانيا والفاعلين فى الساحة الطلابية فيها.
ينحدر ولد أمباله من مقاطعة تمبدغه، ويعتبر من الأشخاص العمليين داخل الحزب وأصحاب العلاقة والتأثير فى المحيط العام للإسلاميين داخل البلد.