بقلم الأستاذ/ الشيخ ولد بيبه
بعد أيام قليلة تكون انطلاقة المؤتمر الثالث لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) قد أزفت، فتفعل المرجعية الإسلامية فعلتها في المؤتمرين، فلا ولاء على أساس القبيلة ولا الجهة ولا الفئة، وذلك إشكال يهدد وحدة الدول بالأحرى الأحزاب السياسية. الشيء الذي عمل الإسلاميون على تربية منتسبين لا يلقون إليه بالا، بل معيارهم الأساسي هو الكفاءة والرؤى. (فمن خلال الكفاءة يتضح نضج القائد وإدراكه للواقع، ومؤهلاته العلمية والقدرة على إنضاج مشروع وحصد مكاسب تنسجم مع مبادئه وتحقق طموح منتسبيه، وهذا ما يتضح من رؤيته التي هي تطبيقات لفلسفة مشروع "تواصل" القائم على إصلاح البلد وتخليصه من الوضعية السياسية المتردية والإفلاس الاقتصادي والوضع الاجتماعي المعقد).
وذلك انطلاقا من قول الله جل جلالـه: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ علم} فجاءت الكفاءة مجردة من الانتماء الاجتماعي، وهذان عاملان تسببا في ثقة مقدرة لهذا الحزب من شعبه، ومن المهتمين بالشأن العام فتيمموا شطره بالثقة المطلقة والبذل السخي في شكل من نكران الذات ودون اشتراط لمناصب ومكاسب مما جعله بذلا لا يقدر بعدد، وتفان في خدمته منقطع النظير، إيمانا بمبدإ الجندية، الشيء الذي جعل العامل لا ينتظر إذنا من أحد بل ولا مكافأة ودون حتى تقييم لأداء المتصدرين للمشهد الحزبي تطبيقا لمبدأ التماس أحسن المخارج للناس، فوقف الحزب – والحمد لله – على سوقه وباشرت مؤسساته ممارسة أدوارها في بلد معقد كغالب بلاد المنطقة بحكم تحكم العسكريين أصحاب المنطق المجافي للدولة المدنية والذي يعتبر المدنيين لم يبلغوا سن الرشد بعد، وبهذا أوصتهم فرنسا التي تعتبر نفسها وصية على مستعمراتها السابقة وحوار داكار خير دليل على ذلك. ومجتمع جديد على الثقافة الحزبية ولا يفهم الأمور إلا بالحسابات القبلية والفئوية وجبلت نخبه على الولاء للسلطة كيف أتت وبماذا أتت. لا يهم، المهم هو المشاركات في الانتخابات والحوارات وكذا الاستقبالات.
في وضع كهذا يجد الحزب صاحب المؤسسات المتربية في مدرسة المبدئية نفسه أمام واقع يحتاج كثيرا من التفكير ليحافظ على المبدئية التي هي نظرة استراتيجية لا كما يتوقع البعض أنها طرح مثالي ناسيا أو متناسيا أن المثال شيء لا يدرك، بل هي نظرة قائمة على الإيمان بالغيب، وأنه ما خاض صلى الله عليه وسلم معركة مع قوم بالتساوي في العدة ولا العدد، وأن على أصحابها أن يحافظوا على "أخلقة" السياسة فيكسروا الصورة النمطية عند المجتمع عن السياسة، تلك الصورة التي جعلت من السياسي ذلك الشخص المتلون والذي يبيع مبادئه بأبسط ثمن مادي وفي أقرب فرصة، بدل مصالح وطنه وشعبه دون وضعه في الحساب أن الشعب لا ينسى المواقف مهما كان نوعها وتبقى محفورة في ذاكرته وإن طال الزمن.
ومن خلال هذه الرؤية حافظ الإسلاميون على نصاعة مواقفهم ونقاء سياستهم وهي قيمة معنوية لا تقدر بثمن، فشكلوا قوة لا يمكن تجاوزها رغم صعوبة الواقع السياسي وكان الحفاظ عليها لازما وإن كلفت احتكاكا مع السلطة التي يزعجها تنامي شعبية الإسلاميين في الداخل وانتصاراتهم في الخارج، وفي هذه المرحلة يكون الإسلاميون بحاجة ماسة إلى ما يسميه الرئيس السالك ولد سيدي محمود "الأمن القومي للإسلاميين".
1. التدثر بالمجتمع من خلال حمل همومه وتقديم تدين نقي مغاير للتدين التقليدي، وذلك لأننا في الحقيقة امتداد لصحوة إسلامية.
2. حسن العلاقة مع الشركاء السياسيين من خلال الوفاء بالالتزامات ووضوح المواقف.
3. القوة الذاتية من خلال التمدد الشعبي والالتحام بالشارع والقدرة على تحريكه كلما دعت الضرورة، دون هدرها في مواقف متهورة ليست محسوبة النتائج.
عندها سيفكر النظام ألف تفكير قبل الاعتداء على الإسلاميين ونهاية نظام ولد الطايع خير دليل على ذلك، وكانت له صولات وجولات حسمت لصالحهم، وكانت مكاسب الإصلاحيين الوسطيين الانتخابية بعدها رائعة وذلك ثمن النصاعة المنشود، وكان التدافع بين المبدئية والواقعية واضحا في المواقف الحزبية، ولعل الواقعية تحتاج إلى تعريف اصطلاحي وهي أنها انحناءات ظرفية عن عواصف عابرة، و هي كما يقول الدكتور اكناته ولد النقره "ينبغي أن تكون حالة استثنائية أقرب إلى الضرورة يستدعيها حدس الساسة مخرجا في آخر النفق يمنح مشروعهم حياة ثانية" انتهى الاستشهاد.
والسؤال المطروح - ونحن على أبواب المؤتمر الثالث – على أي معيار سيكون الترشيح؟ هل سيكون بخلفية تيارية؟ - وهذا هو المألوف في الأحزاب الديمقراطية - أو سيكون على توازنات مناطقية؟ أو تتجه الأنظار إلى شخصيات توافقية؟