وزارتنا للتعليم تدق آخر مسمار في نعش المحظرة

غزا الاستعمار هذه الربوع بمشروعه التنصيري الهادف إلى طمس هوية هذه الأمة، بالقضاء على لغتها العربية، فوقفت المحظرة في وجه هذا الغزو في مجابهة قوية تمثلت في:

-       منع الأطفال الموريتانيين من دخول مدارس الغزاة.

-       الفتاوى بوجوب الجهاد دفاعا عن الدين والوطن،

 وبذلك استهدف المستعمر المحظرة فلم يكتف بغلق المحاظر ولا بمضايقة شيوخها حيث قام بحرق المكتبات وأخذ الأطفال عنوة لإدخالهم المدرسة الفرنسية، غير أن ذلك لم يفده شيئا، فبشهادة الحاكم الفرنسي(لكري) من رسالته السرية الموجهة إلى حكومته سنة 1943ما مفاده(على العكس مما عودتنا عليه المستعمرات الإفريقية من تهافت على ثقافتنا، ما وجدناه في موريتانيا من وقوف المحظرةفي وجهنا بقيادة لمرابط، فبعد 40سنة من الجهد المتواصل لا يتجاوز اليوم عدد الموريتانيين في مدارسنا: 112منتسبا)؛

وهكذا ظل الصراع محتدمابين المحظرة والمستعمر غير أنه كان أكثر شراسة بعد الاستقلال، حين أسند المستعمر مهمة الصراع إلى اللوبي الفرنكفوني المكون من عملائه وأبنائهم، ومن أعوانه المستقدمين من المستعمرات الفرنسية، ظل المستعمر يمد هذا اللوبي بالخبرة وبالمال بوساطة السفارة الفرنسية والبعثات الثقافية التي ظلت حاضرة في القرار التربوي، وكفاية هذا اللوبي هي ما عبر عنه الرئيس الفرنسي (بوم بيدو) أثناء زيارته لموريتانيا سنة 1972 حين قال(أشكر الموريتانيين على أنهم يتكلمون الفرنسية احسن من غيرهم في المستعمرات الأخرى)؛

 

وهكذا تتالت نجاحات هذا اللوبي على المحظرة الواحد تلو الآخر:

-   كان الأول الأهم لهذا اللوبي هو إصلاح التعليم(المشؤوم) 1999 الذي ضمن به:

-    شطب تعليم المواد العلمية باللغة الأم،وكان ذلك بعد ما تأكدت نتائج تدريس المواد العلمية باللغة الأم في الأقسام التجريبية من إصلاح 1979؛

-    تجفيف منابع المحظرة، التي كان الأطفال ينهلون من معينها وينجحون في المسابقة أو الامتحان دون أن يكلفوا الدولة، أصبح على الطفل أن يبتعد عن المحظرة ويتوجه مبكرا إلى المدرسة ليأخذ منها الرياضيات والمواد العلمية بالفرنسية التي لا يمكنه أن ينجح دونها؛ وكان من نتائج هذا الإجراء:

-       اتساع قاعدة العرض المدرسي بموجب انضمام أطفال المحظرة إلى أطفال المدرسة الأصليين بما أعجز الوزارة عن توفير ما يحتاجه التعليم من مدرسين ومن بنية تحتية وتجهيزات؛ وكان ذلك هو السبب فيما تتخبط فيه الوزارة اليوم من:تجميع للفصول، اكتتاب لمعلمي الشارع، والرجوع عن القرار الخاص بالتعليم الخصوصي، وأخيرا تقليص عدد المترشحين للثانوية سعيا إلى رفع نسبة الناجحين فيها.

ونتيجة لإصلاح 1999تبيّنُ الدراسات الوطنية والإقليمية تراجع أداء تلامذتنا في الرياضيات: في المرحلة الابتدائية، ونقص الاهتمام لديهم بالعلوم والتكنولوجيا في المرحلة الإعدادية، والثانوية:

-       ففي برنامج تحليل الأنظمة التربوية في البلدان الناطقة بالفرنسية سنة 2003، كانت معدلات التحصيل في المواد المدرّسة بالفرنسية قد تدهورت بشدة، بعد إصلاح1999 وخاصة الرياضيات ودراسة الوسط؛

-       بعد ما كانت موريتانيا(قبل إصلاح99 ) في المرتبة الثانية في سلم التقويم من دول المنطقة، نشاهدها اليوم في المرتبة قبل الأخيرة؛

-       في الندوة المنظمة بالمدرسة العليا للأساتذة حول تحسين نوعية التعليم في

-       موريتانيا(2014)جاء فيها:

·        ارتفاع نسبة هدر الموارد في النظام التربوي، وخصوصا على مستوى التعليم الأساسي، حيث تشير التقديرات إلى أن ثلث الموارد تضيع بسبب الإعادة والتسرب قبل نهاية المرحلة.ونسبة التسرب تفوق بكثير نسبة الإعادة.

-       فيتحاليل نتائج اختبار تحديد المستوى اللغوي للمعلمين، سنة: 2014:

-                   (14.1%)من المعلمين لديهم المستوى المطلوب للتدريس باللغة العربية.

-                   ( 4.4%) من المعلمينلديهم المستوى المطلوب للتدريس باللغة الفرنسية.

تعتبر هذه النتائج قديمة نسبيا، ولكنها مازالت صالحة للاستدلال، لأنها مازالت قائمة ولم تبد للعيان جهود لعلاجها، ذلك العلاج الذي قد يكون أمثله هوتطبيق ما أقرته لجنة إصلاح التعليم سنة 2012 وهوما نصه: (ضمان التعليم باللغات الأم على جميع مستويات النظام التربوي، وبالأخص في مراحل التعليم القاعدي، وذلك من منظور تحسين جودة التعلُّم؛ مع السعي تدريجيا إلى إتقان لغتيْن على الأقل من لغات الانفتاح)؛

وهذا التوجه تؤيده الدراسات التي  أجريت من قبل: اليونسكو، والبنك الدولي، والتي تؤكد أن التلاميذ يتعلمون بشكل أفضل وأسرع وبحماس، عندما يدرسون العلوم بلغتهم المتداولة؛ وأن التدريس في جميع المواد باللغة الأم ليس فقط يزيد درجة الفهم للمتعلمين، ولكنه أيضا يمهد الطريق لمزيد من التنميةالوطنية.

-   وكان الانتصار الحاسم والأخطر لهذا اللوبيهو ما تم بعد بلوغ إصلاح 1999 سن الرشد: 18 سنة، فهو الذي دق آخر مسمار في نعش المحظرة، ذلكم هو   القانون الذي أعلن عنه معالي  وزير التعليم في مؤتمره الصحافي يوم 6/12/2017 القاضي بتنظيم شهادة الباكلوريا حين قررت وزارتنا- المظفرة-عدم السماح لمن تجاوز عمره: 22 سنة بالترشح لشهادة الثانوية، وذلك ما يجعل أكثر المتضررين من هذا الإجراء هم طلبة المحاظر، وكذلك عدم السماح بخوض الامتحان لمن لم يحصل على معدل يصل 5 على 20 في الامتحان السابق؛

هل يمكننا أن نعتبر هذا الأجراء من الوطنية والعدل؟ منع مواطن من الحصول على شهادة  وطنية في بلاده؟

-    إذا ما تأخر ترشح مواطن عن 22 سنة، لأنه ما زال يطلب الاستفادة من المحظرة، أو لأن ظروفه لم تسمح له بعد...

-      أو لأنه لم يحصل على 5 نقاط، ألا نلتمس له العذر الأكثر موضوعية: ظروف صحية له أو لأحد أسرته منعته من إكمال الامتحان، أو لظروف نفسية عابرة،أو لظروف أخرى...

 كل هذه الإجراءات الذي يعتبرها المواطن جائرة في حقه كان مبرر الوزارة فيها هو: تدني نسبة النجاح، هل هذه هي الطريقة التربوية الأمثل التي تعالج بها الأمم الرفع من مستويات تعليمها؟ مثل: تعديل المناهج، توفير الأساتذة الأكفاء، توفير الوسائل الديداكتيكية، أما تضخم عدد المترشحين للثانوية: 180 ألف مترشح على المستوى الوطني، هل يعتبر هذا مبررا موضوعيا، مع أن هذا العدد قد يقل عن عدد المترشحين للثانوية في إحدى ولايات الدول المجاورة، ووزاراتها تنظم امتحاناتها بكل كفاية.

-      بعد أن لم تفد وسيلة فرض الأرقام الوطنية في الحد من عدد المترشحين، ألا يتعين على الوزارة المظفرة أن تعمد إلى حل آخر قد يكون أكثر إنصافا، مثلا: تنظيم امتحان تمهيدي ومن لم يحصل فيه على المستوى المطلوب يمنع من الترشح تلك السنة فقط.

قد لا تكون هذه الإرهاصات التي تقوم بها وزارة التعليم أهدافها هي المعلنة، ولكنها قد تكون من دسائس اللوبي الفرانكفوني التي يقوم بها من وقت لآخر للقضاء على المحظرة العدو الألد؛

 إننا لا زلنا نتذكر ما تم سنة 1981 عندما كان الخبير الفرنسي(جوفروا)رئيس مصلحة الباكلوريا وهو الخبير المتنفذ في موريتانيا، حيث عمدت الوزارة إلى إصدار مرسوم يحصر المسموح لهم بالترشح لدخول الإعدادية في تلامذة المدارس الرسمية، وبما أنني كنت في ذلك الوقت  مديرا مساعدا للتعليم الأساسي تمكنت من الاطلاع على مشروع المرسوم وهو تحت الطبع، فبادرت بالذهاب إلى معالي وزير التعليمفنبهته على أن تلامذة المحاظرهم المتضررونمن هذا، وهم  الذين ينجحون في دخول الإعدادية دون أن يكلفوا الدولة، لا مدرسا ولا فصولا، ولا كتبأ؛فقام الوزير بسحب مسودة المشروع من الطباعة وقال لي ماذا أكتب؟ فقلت له:

-       يشترط في التلاميذ المفرنسين الترشح عن طريق مدرسة رسمية؛

-       يسح للتلاميذ المعربينيالترشحأحرارا,

فقام الوزير بتعديل هذا النص على هذا الأساس قبل إعادته للطباعة، وظل هذا النص معمولا به حتي إصلاح 1999، جزى الله معالي وزير التعليم حسني  بنديدي ومد الله في عمره، ما أحوجنا اليوم إلى أمثاله؛

-     ما هو موقف وزارة التوجيه الإسلامي المكلفة بمحو الأمية من هذا الإجراء؟ الذي يستهدف المحظرة، ويحد من ناجحي طلاب المحاظر الذين هم رافد مؤسساته: المعهد العالي للدراسات الإسلامية، الجامعة الإسلامية...، هذا بالإضافة إلى أن محو الأمية وتعليم الكبار هدفهما الأسمى هو الحصول على شهادات في أي مستوى من العمر.  والكبار قد لا يرون ضرورة في محو الأمية إذا كانت لا تفيدهم في الحصول على شهادة.

وبالمناسبة فإنني استنكر هذا القانون الذي جاء ضمن دسائس جهات تعمل  على  طمس  هوية هذه  الأمة، كما  أرجو من  الجميع: شيوخ  محاظر، رابطة العلماء، رابطة الأئمة، منظمات حقوق الإنسان،آباء التلاميذ في الأحياء ذات الظروف الخاصة (آدواب)العمل-كل من موقعه-  على تعطيل هذا المشروع، كما أنني  أعول  كثيرا  على نواب   الشعب في الجمعية  الوطنية في  إسقاط هذا المشروع الساعي  إلى طمس هويتنا .

والله الموفق لما فيه خير هذه الأمة.

ذ. محمدن ولد التمين*

* مدير جهوي سابق للتعليم فى عدة ولايات وخبير تربوي معتمد