حان الوقت لتوجيه النداء للمنقذ الوحيد والمخلص على مر التاريخ الذي لا شك أنه الشباب، والسبب بسيط هو أن الوضع لا يطاق سياسيا واجتماعيا واقتصايا، وهذا الأخير بيت القصيد. لأنه محل إجماع بين الجميع؛ القمة والقاعدة، والمواطن البسيط أول المكتوين بناره، فلماذا الشباب وحده هو المخلص دون غيره؟
هو المخلص لأنه يمتلك مؤهلات لذلك فهو في مرحلة عمرية يكون فيها الإنسان في قوة لا تعوض، وحديث عهد بمحاضن العلم، ومتخفف من الأعباء المثقلة للكاهل، ولذا خصه رسول الله صلى الله عليه وسلـى عليه وسلم فقال: ".. عن شبابه فيم أبلاه" مع أنه ذكر عمره فيم أفناه، وكأنها إشارة من أعظم قائد في التاريخ إلى أهمية هذه المرحلة من العمر وقصة أصحاب الكهف مثال رائع. {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}. وخصه الإمام الشهيد برسالة من مجموع رسائله، ولذا كان الشباب موضع مراقبة من طرف القوة العالمية وأداة تنفيذها وهم بكل بساطة الأحكام الدكتاتورية، فتجرى استطلاعات عن اهتماماته وخاصة إذا كانت سياسية فتصمم برامج لتدجينه تارة باسم الشعارات وتارة باسم الأحزاب وأخرى باسم المجالس، والهدف الوحيد هو التحكم فيه ومنع صحوة شبابية قادرة على القيام بعمل ما من شأنه هز العروش وتغيير الحكم خوفا من ذلك يلجأ النظام إلى تجفيف منابع الوعي كالمدارس السياسية والندوات الفكرية والإعلام الحر الذي يقدم الرأي الآخر فيمنعه تارة ويكبله تارة بقوانين وذرائع زائفة.
وهو في نفس الوقت لا يغفل دور أجهزة الأمن وتدريبها وتعددها ويقظتها ليس لحراسة الوطن من خطر خارجي ولا لتفكيك شبكات داخلية ومداهمتها في أوكارها، وهو ما يعرف بالأمن الوقائي، شغله الشاغل حراسة سوح النضال ومنع أي تحرك للتعبير عن مطالب المواطنين والتلفيق لرموز سياسية يشرد بها من خلفها، وما أمر محمد ولد غده منا ببعيد، وزاد نظامنا إجراء جديدا يتقدم به على أنظمة الاستبداد والتسلط وهو تعميم على الفنادق بمنع أنشطة المبادرات إلا إذا كانت ممجدة لشخصه.
ونحن في غياهب هذا الجب السحيق لا نزال نراهن على الشباب الذي هو نصف الحاضر وكل المستقبل ونعرف أنه حين يقرر رفض الواقع ودوسه لا يسد عليه باب ولا يشترط له أسلوب واحد في تحرير السوح وفرض التغيير، لاسيما أن الواقع الآن يشبه بشكل كبير نهاية نظام ولد الطايع، فالأفق السياسي مسدود ولم يبق للنظام شعار إلا استعمله كمحاربة الفساد والتشدق بالقمم؛ إفريقية وعربية، واللعب على أوتار القبيلة والجهة واستعمال فزاعة الحقوقيين والسجن لخطب ود الخارج (فك الله أسر الشاعر ولد بونه)، وساءت علاقتنا بالجوار من الجارة السنغال إلى المغرب ولم تعد فرنسا مقتنعة بهرم النظام عندنا، يقع هذا كله رغم ما حصل في المحيط العربي والإفريقي والسؤال المطروح ماذا لو استفاق الشباب من لعبة الوسائط الاجتماعية الساحرة وأجرى تقييما لحصيلة النظام في مجال السياسة، حيث كان كل شيء موجود إلا السياسة. وفي المجال الاقتصادي حيث كان كل شيء عبارة عن ما يسمى بالاقتصاد الاستهلاكي، ومعظمه الشوارع والمباني الإدارية وذلك لأنه السبيل الوحيد لممارسة الفساد كما يقول خبراء ذلك الشأن. وكان قانون الميزانية الأخيرة دليل على أن هذا النظام جبائي بكل المعايير دون استحداث مصادر معدنية جديدة ومتصامم عن القطاع الخاص وخلق فرص عمل للمواطن.
وفي مجال الإعلام كان ظاهره التحرير السمعي البصري وفي جوهره مصدر دخل، ولم يلبث إلا قليلا حتى بدأت عملية إسكاته، أما تجديد الطبقة السياسية فثبت أنها استهلاك لبراءة الشباب وما هي إلا حلقة من أخطاء هذا النظام وصورة من واقع هذا النظام المنكوب، واقع حله في يد الشباب الذي أثبت أنه حارس المكاسب ومؤدب الحكام، حين يشتاق إلى عبير الميادين وعزف مسيلات الدموع بسلمية أقوى من عنجهية الأمن.