بعد أحداث "بوركينافاسو" .. كيف سنتصرف فى مواجهة المخاطر ؟

سيد أحمد ولد باب / مدير موقع زهرة شنقيط

شكلت عملية استهداف الأركان العامة للجيوش فى دولة "بوركينا فاسو" والسفارة الفرنسية فى قلب "وغادوغو" رسالة بالغة الخطورة لدول الساحل والصحراء عن حجم المخاطر المتوقعة فى الإقليم بفعل الصراع المفتوح مع الحركات الجهادية، وخطورة تمدد العمليات العسكرية إلى مناطق جديدة.

 

ورغم أن العاصمة البوركينابية كانت على موعد مع أحداث مشابهة من حيث الخسائر المادية والجرأة العسكرية، إلا أن استهداف الأركان ( رمز القوة العسكرية ) والسفارة الفرنسية ( رمز التخطيط لمواجهة القاعدة بالمنطقة) يطرح أكثر من سؤال حول مدى نجاعة الخطط الأمنية المعتمدة بالمنطقة، والتحول النوعى فى القوة التى تمتلكها الحركات الجهادية بالمنطقة، بعد أربع سنوات من التدخل العسكرى الفرنسى الفاشل بجمهورية مالى والصحراء.

 

لقد كانت الخسائر ثقيلة والتكلفة الأخلاقية أكبر، بحكم نجاعة الهجوم من الناحية العسكرية وقوة الاختراق الأمنى الذى كشف الجانب الرخو فى المعادلة القائمة بالمنطقة ، حيث تمكن أربعة مسلحين فقط من فرض حالة من الرعب داخل أهم المقار العسكرية والدبلوماسية، وأجبروا قوات النخبة والقوات العسكرية الفرنسية على استخدام أعلى درجات القوة لوضع حد لمواجهة أرقت الجيش البوركينابى وأحرجت الحكومة وأثارت مخاوف الفرنسيين والأفارقة بشكل كبير.

 

وبغض النظر عن هوية التنظيم الجديد أو علاقته بالقاعدة أو داعش، إلا أن الرسالة الأهم لكل دول المنطقة وللمهتمين بالساحل وأمنه كانت واضحة ، فالحرب قد بدأت بالفعل من قلب مالى "موبتى" قبل أيام، وتم التوقيع عليها بأشلاء الأبرياء فى "وغادوغو"، ويجب أن تتحرك القوى العسكرية والأمنية لتدراك الوضع قبل أن ترسم الحركات الجهادية لوحة دم أخرى قاتمة باحدى عواصم التحالف الجديد، فالمنطقة تمور باضطرابات سياسية والأمن فيها غائب أو معطل بفعل الصراع الدائر بين النخب السياسية فى باماكو ونواكشوط ودكار والكوديفوار، فلا حالة سياسية واحدة صحية، ولاتفاهم واحد يمنع الجبهة الداخلية من الانهيار والتفكك فى لحظة الحاجة إليها، ولاتهدئة فى الشارع تمكن الأجهزة الأمنية من الاهتمام بالعدو الأول لكل المتخاصمين اليوم من أجل المكاسب والمغانم.

 

إن موريتانيا وهي أولى الدول الإفريقية المعنية بالظاهرة بحكم الإرث الثقيل والحدود الطويلة والجوار الهش، بحاجة إلى رسم ملامح مرحلة جديدة تمنعها من الوقوع فريسة للغرور، فما تردده أفواه المنافقين فى مهرجانات نواكشوط ليس بالضرورة هو الواقع على الأرض، والصورة الوردية التى نرسمها للأمن فى المحافل الدولية قد لاتكون الظروف مواتية لاستمرارها، مالم نأخذ المخاطر على محمل الجد، ونتعامل مع الأخطار بعقلية تعزز الموجود وتكمل النقص وتدفع الأطراف غير المنخرطة فى الحرب إلى حياد يجنبنا مخاطر أزمة عجزت فرنسا عن مواجهتها، ويبخل المجتمع الدولى اليوم بتمويل الجيوش الخمسة المستعدة لتحمل العبء الأكبر فى مواجهتها.

 

إن إشغال الشرطة بقمع صغار الطلاب عن رصد الواقع ومتابعة الأخطار المحتملة فى ظل حرب مفتوحة مع أكثر من حركة جهادية بالمنطقة، والجمارك بمطاردة المواد الغذائية الواردة من الشمال عن مراقبة الحدود الجنوبية والشرقية ونقاط العبور المزعجة لتعددها وإمكانية استخدام بدائل عنها، والزج بالدرك فى مواجهة المنقبين عن الذهب وفرض قرارات المجالس المحلية بالشامى أو غيرها، أمور بالغة الخطورة وانشغال بالمفضول عن الأهم، واستثمار فى القمع أكثر منه فى الأمن.

 

إن الرئيس وهو يصارع من أجل طمأنة أنصاره بمحدودية المخاطر المحتملة فى حالة رحيله وإقناع كبار معاونيه بضرورة توطيد أركان حكمه، بحاجة إلى اتخاذ خطوات ملموسة على الأرض ومواجهة الواقع الجديد بالمنطقة وفق قواعد اشتباك مغايرة لما عليه الأمور فى الوقت الراهن.

 

إن الواقع التنفيذى الذى تم "لبننته" ( كل فريق حكومى لديه زعيم كما هو حال أهل لبنان) والواقع الأمنى المشلول بفعل ضعف الإنفاق وصراع الأجهزة، والواقع السياسى المحكوم عليه بالإرباك بفعل تعدد الواجهات داخل الطرف الواحد والقطيعة المزعجة مع الأطراف الأخرى، كلها أمور تخدم العدو أكثر مما تؤمن الصديق، وتمنح الأفضلية لخصم يوحده الشر والقدرة على الإيذاء، وهي أفضلية تشكل أكبر تهديد لكيان البلد، فالشعور بالأمن هو البضاعة الوحيدة التى نتملك اليوم فى ظل ارتفاع الأسعار وانتشار البطالة وغياب العدالة والمساواة والعجز الحكومى، والتفريط فيها يعنى فتح الأمور على مسارات مزعجة لحكام البلد ومحكوميه لاقدر الله ..

 

تلك معطيات مزعجة ورسائل غير مشفرة ودروس تقدم بالمجان بعد أن تم توقيعها بالدم على أجساد الأبرياء فى مناطق ظلت إلى وقت قريبة آمنة ومستقرة ... فهل سنستفيد من دروس الغير قبل فوات الأوان،  أم أن الانتصار للموقف والموقع أولى من اتخاذ خطوات تخدم الناس وتمكث فى الأرض وتحصن المنجز مهما كانت اختلافاتنا حول وجوده أو رغبتنا فى تحقيق ماهو أفضل بأقل تكلفة وجهد مما هو معمول به الآن؟.