لقد شكّل القرار الرئاسي القاضي بالشروع في العمل الفوري على إصلاح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية مفاجأة كبيرة لكل الفاعلين السياسيين في الساحة الوطنية، نظرا لشجاعته وصرامة الخطة المرسومة للوصول إلى هدفه الأكبر المتمثل تحديدا في التأسيس لعملٍ سياسي جديد في موريتانيا بـ: إنشاء حزبٍ قوي بنضج ووضوح رؤيته السياسية، وانتشار قاعدته الجماهيرية، وتنوّع اهتماماته الميدانية.
ولكي تتم عملية الإصلاح تلك على الوجه المطلوب شُكلت لجنة وزارية أغلبها من الوزراء الشباب الذين أثبتوا بإدارتهم، في ظرف وجيز لقطاعات حكومية كبيرة، قدرةً تسييرية عالية، حيث أبانت عن نضجٍ سياسي عميق وطموح وطنيّ كبير. وفيما كان أوّل قرارٍ للجنة الوزارية المذكورة هو إطلاق استمارة إلكترونية لاستقبال آراء ومقترحات المواطنين بخصوص موضوع تقييم الحزب والسبل الكفيلة بتطوريه وإصلاحه مستقبلا، ترتّب على ذلك تنظيم أيامٍ تشاورية مفتوحة اتسمت بالجدية والصراحة مع تدوين جميع مداخلات المشاركين كما وردت بالضبط.
وبالعودة إلى قرار إصلاح الحزب الحاكم يلاحظ أنه قد شكّل أيضا بداية فعلية للدعوة إلى التخلي بصفة قاطعة عن نهج سياسي قديم، اعتمدت عليه كل الأنظمة السابقة لبسط سيطرتها السياسية بطريقة وهمية يتضح زيفها عند أول امتحان سياسي حقيقي. ذلك ما يفسره إجراء الانتساب بطريقة جديدة تُلزم حضور المنتسب وتوقف مهزلة التزوير ومصادرة آراء المواطنين بجمع بطاقات تعريفهم وتسجيلها دون أن تكون لهم أي قناعة بالأمر.
إن انخراط جل الموريتانيين في عملية الانتساب الأخيرة -المحطة الثانية من محطات إصلاح حزب الاتحاد- قد مثل صفعة قوية لخصومه السياسيين، خصوصا أن العملية تمت في ظرف وجيز ودون استخدامٍ للمال العام، ما جعل بعضهم يلجأ للدخول في حوارات سرية ركزت فقط على نقاش القوانين والمزايا الانتخابية، لكن وبعد توقف ذلك المسار فجأةً أعلنوا عن مشاركتهم في الاستحقاقات القادمة دون قيد أو شرط نتيجة إحساسهم بالعزلة الشعبية وبدأ العد التنازلي لخروجهم من خارطة التأثير السياسي في الساحة الوطنية.
ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن الكرة الآن في ملعب الشباب بشكل عام، و على وجهٍ خاص الشباب المستقل بعد أن أصبح مطالَبا، أكثر من أي وقت مضى، بضرورة التعامل بواقعية مع المشهد السياسي الحالي ليختار أحد الخيارين: إمّا الانخراط في دعم وتأطير هذه الرؤية الإصلاحية القادرة على تطوير العمل السياسي في البلد والتأسيس لمسار سياسي جديد؛ وإما الاستمرار في هدر طاقاته برحلة عبثية يتبادل على قيادتها غالبا أباطرة الجمود السياسي وأبرز وجوه الفساد في البلد ممن ارتبطت أسماءهم بملفات فساد كبيرة (كملفي الأرز الفاسد وحي الفلوجة... إلخ) دون أن يقدموا للوطن أي إنجاز حقيقي بإمكانه أن يُنسي المواطن تاريخهم الكارثي، بالإضافة طبعا لبدأ استغلال أدوار الشباب الميدانية من طرف مجموعة من "المثقفين" اكتَشفت مؤخرا طريقة سحرية للتعبير عن تذمرها من سدّ قنوات نهبها لأموال الشعب بالعودة إلى المجال العام من خلال إعلان تشكيلاتٍ افتراضية لحماية التناوب الديمقراطي.
في الختام إذا كان قرار إصلاح الحزب الحاكم وانخراط المواطنين في حملة انتسابه الأخيرة بشكل كبير قد شتت، كما رأينا، أوراق منافسيه وحشرهم في زاوية محرجة، فإن التنافس الديمقراطي المنتظر في المؤتمر العام للحزب، في الأسابيع المقبلة، سيكون سياسيا بمثابة الضربة القاضية على ما تبقى من أحزاب الجمود السياسي.
أحمدُ ولد أبيه