تمر الآن الذكرى الأولى للإعلان المفاجئ لوزارة الخارجية الموريتانية بشأن العلاقات الموريتانية القطرية، والانجرار نحو الحصار الذى أعلنته السعودية وأخواتها ضد الحكومة القطرية ، بفعل الخلاف بين الرؤى المتصارعة فى الشرق الأوسط والانزعاج الأمريكى من سلوك القطريين خلال السنوات الأخيرة.
لقد حاولت الخارجية الموريتانية تبرير القرار المتخذ تحت الابتزاز بمبررات عدة، من أبرزها تهديد القطريين للسلم الأهلى بالعالم العربى، وإخلالها بقواعد العيش المشترك، وتشجيعها للإرهاب فى المنطقة، وحاول وزير الخارجية عبر بيانها الممجوج إقناع الرأي العام بوجود أزمة بين موريتانيا وقطر، غير تلك التى صنعتها مكالمة نجل الملك السعودى الصاعد فى عالم السياسة والمال محمد بن سلمان، والتى حملت بعض الدول المحكومة بالمساعدات الخليجية إلى الانحناء فى لحظة ضعف بالغة الصعوبة، لكن مع تفاوت فى الانحناء وتسيير القرار المفروض بقوة المال والعنجهية.
يجمع أغلب صناع القرار فى السلطة الموريتانية على أن الدولة الموريتانية كانت مجبرة على اتخاذ خطوة لمسايرة الحلفاء السعوديين والإماراتيين، ويقولون بأن السلوك القطرى ساهم هو الآخر تمرير القرار، لكن أغلب صناع القرار كذلك يدرون أن ضعف وزير الخارجية اسلكو ولد أحمد أزدبيه ساهم فى تعقيد الملف والزج بالدولة الموريتانية فى عمق الأزمة الخليجية، بينما تمكن وزراء آخرون من تسيير اللحظة بشكل عقلانى كما حصل فى المغرب والسنغال والجزائر وتونس.
تجاهلت الحكومة القطرية بشكل كبير قرار الحكومة الموريتانية المتسرع، وتعاملت بعقلانية مع رعايا الدولة المتحفزة للانخراط فى حرب غير حربها، بينما عمد النظام الموريتانى إلى تكثيف الحرب الدعائية ضد قطر ورموزها ومجمل أفعالها غير المحبذة للمحور السعودى، وحاول البعض نبش الماضى من أجل خلق مبررات محلية لقرار خارجى بامتياز.
غير أن اللافت فى الأزمة وتداعياتها هو حجم التجاهل الذى قوبلت به الخطوة الموريتانية – رغم سرعتها وخطورتها- فى المعسكر الآخر، ينما تم إشراك جمهورية مصر العربية والبحرين على صغر حجمها وتبعيتها للطرف السعودى، فى مجمل القرارات والنقاشات والمفاوضات، تم تجاهل الدولة الموريتانية بشكل كامل، وغاب وزير خارجيتها عن كل اجتماعات وزراء الأزمة، وتجاهلتها الكويت فى وساطتها الرامية إلى وجود حل، ولم تذكر فى الإعلام الموالى للسعودية بعد قرار القطيعة بخير أو شر.
لقد أبات المرحلة اللاحقة عن ضعف الدبلوماسية الموريتانية وعجزها عن استثمار القطيعة، تماما كما عجزت عن استثمار أيام التواصل مع القطريين، وأكتفى ولد أزدبيه ورهطه بعبارات قدح وشتم فى حق الدولة القطرية ورموزها، واتهام بعض الأطراف المحلية بتغليب مصالحهم السياسية عن مصالح الوطن، فى محاولة لقمع الرأي الرافض لتسيير الأزمة بهذا الشكل ، وطرح القرار الموريتانى فى مزاد المواقف السياسية الإفريقية وبأخس الأثمان، والتحول من دولة عربية فاعلة ومسؤولة وذات سمعة طيبة فى الشرق الأوسط، إلى دولة تابعة للمالك النقط، تماما كجزر موريس وجيوبتى.
اليوم بعد مرور سنة من الأزمة وعجز الأطراف المعنية عن تجاوز الخلاف، وضعف المردودية السياسية والمالية للقرار، وارتفاع التكلفة الأخلاقية لحصار شعب مسلم ومسالم، تبدو الحاجة ماسة لمراجعة القرار واتخاذ التدابير الدبلوماسية للخروج من نفق سيئ دخلناه دون مبرر مع آخرين لهم حججهم ومصالحهم وخططهم، وربما يقررون العودة دون تشاور وينهون القطيعة دون إبلاغ للأطراف المفرطة فى سيادة قرارها وحماية مصالحها لحظة اشتباك مصالح الكبار.