ولد أندح يكتب : ليته لم يوضح!

محمد ولد أندح /كاتب صحفى

تابعتُ البيان المسجل الذي خرج به الدكتور "عدنان ابراهيم"، ليوضح موقفه من ردود أفعال محبيه وخصومه، بعد خرجته الإعلامية المثيرة في قناة "روتانا"، التي صدع فيها بمواقف سياسية صدَمت كثيراً من متابعيه حول العالم، وعبّر أغلبهم عن استنكارها..

كنتُ من الذين نشروا هنا انتقاداً لاذعاً لتلك المواقف، معترفاً بأنني قسوتُ على الرجل في الوصف والتعبير، في رأيي من مواقف كان يسعني السكوتُ عنها، خاصة أنها مواقف سياسية قد تختلف الرؤى وتتابين حولها، دون أن تحتكر واحدة منها الصواب بالضرورة!

بيد أن حبي للرجل، وانتفاعي بعلمه الغزير وفكره المنير على مدى سنوات من المتابعة، دون أن أتخذ منه "شيخاً معصوماً"، جعلني أبرز مخالفته بتلك الطريقة القاسية، لأنني أقدره وأجله عن سلوك طريق هوت بكثير من العلماء قبله إلى وحَل آسن لم يقدروا بعد ذلك على النهوض منه.

ركز الشيخ عدنان في بيانه على توضيح العوامل "الموضوعية" التي جعلته يُظهر ما أظهره من مواقف سياسية، مصراً على تبني تلك المواقف، وعدم تغييرها رغم صدور قرار بمنع ظهوره في القنوات السعودية، وهو موقف يحسب له ويؤكد صدقه.

وليت الرجل توقف هنا، عند تبرير هذه المواقف، رغم أنه تبرير غير مقنع (بالنسبة لي على الأقل)، لكنه تمادى في التوضيح ليصل إلى أهم ما ورد في بيانه من وجهة نظري المتواضعة، حين تحدث عن تغيير منهجه العلمي (سكوتاً أو كلاماً) بما يوائم فهمه للسياسة ومواقفه منها، وتجلى ذلك تحديداً في ما كشفه عن تركه -وإلى الأبد كما قال- نشر سلسلة علمية -كان قد وعَد بها- تتناول "تفكيك الفكر الوهابي"، بعدما تبين له "أنها سوف تخدم مشروعاً سياسياً معادياً للسعودية، يهدف إلى طعن وتفكيك المملكة"، وهذا في نظري ليس خطأ منهجياً فادحاً فحسب، ولكنه "سقوط" علمي، داعٍ لمراجعة حقيقية للثقة "العمياء" التي كنا نوليها للمنهج العلمي للشيخ وما كنا نعتقده من تميزه بالشجاعة العلمية، وهذا قد يقود البعض في النهاية إلى الشك في أهداف الدكتور من التركيز على بعض العلم وترك بعضه، وفقاً لما يخدم نظرته السياسية كما يراها، وليس بغاية نشر العلم والحقيقة كهدف بحد ذاتها!

وهذي لعمري "سقطة" كبرى، أعظم من "سقوطه" في درن دعم المواقف السياسية العرجاء لمملكة بن سلمان، ذلك أن السياسة (مجال أحكام متغيرة بحسب تغير المصالح والمعطيات المتشابكة التي قد تتأثر -أقل ما تتأثر- بعاملي الزمان والمكان) بينما الحقائق العلمية (تحكمها قواعد علمية ثابتة لا تتأثر بالمتغيرات الخارجية).

وأسوأ ما كنا نأخذه على خصوم الشيخ عدنان (من العلماء) هو تسخيرهم العلمَ لصالح تلك المتغيرات السياسية السخيفة، وأما أن يأتي هذا التسخير المنكر ممن كنا نجله عنه وننزهه، فذاك الأمر الجلل الذي لا يرضى لنا الضمير أن نسكت عنه، ولا أن يمر دون أن ننكره!

أما مبدأ نزاهة الشيخ من الناحية الأخلاقية فذلك أمر لا جدال فيه عندنا، ولم يزده نفيه القاطع لما وُجه له من تهم سخيفة في هذا الإطار، لكنه ليس النقطة الأهم في حديثه، ولا في ما كان ينتظر منه أن يبين..

ويبقى الدكتور عدنان، مهما اختلفنا معه، أو أنكرنا عليه، واحداً من أكثر علماء المسلمين اليوم موسىوعية في العلم، ودهاءً في الفكر، واطلاعاً في المعرفة، وبلاغة في القول، وصدقاً في النية، ولكنه ليس معصوماً من الخطأ، وقد أخطأ..