شكلت حملة الانتساب داخل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لحظة تحول فى تعامل الرئيس محمد ولد عبد العزيز مع أعضاء التولفة الوزارية الحالية، بعد أن أبلغ الجميع بان عهد السياسى المحمول على الأكتاف ولى، وأن أوزان الكل يجب أن تتحدد، وأن الوزارة منصب سياسى لايمكنه منحه باستمرار لبعض الأصفار.
وقد كانت تصريحات الرجل الأول فى هرم السلطة الموريتانية خلال الأيام التشاورية للحزب الحاكم إشارة بالغة الأهمية عن عمق التحول فى النظرة للمنظومة الحزبية الحاكمة، وهو ما أشعل سباق أوزان داخل المنظومة الحاكمة، شارك فيه أعضاء الحكومة وبعض الضباط والنواب وبعض الأطر الفاعلين فى الداخل، من أجل تعزيز موقف أوتحصين منصب، أو استجلاب خير طال انتظاره، أو تفادى نهاية غير مرغوبة فى لحظة تحول بالغة الحساسية بالنسبة للنخبة الممسكة بزمام الأمور داخل البلد.
وقد توزعت التشكلة الوزارية – بعد النتائج الأولية للانتساب والتنصيب- إلى أربع مجموعات لكل منها مكانته داخل الساحة السياسية المحلية، واظهرت النتائج عمق العلاقة بالقواعد الشعبية أو الهوة بين الوزير ومحيطه، رغم مساعى الترميم التى قام بها البعض فى الوقت بدل الضائع، تفاديا للسقوط الحر.
وزراء الصف الأول بموريتانيا (*)
تظهر معطيات الانتساب والتنصيب الأخيرة لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم وجود فئة قليلة من الوزراء يمكن تصنيفها ضمن الصف الأول بالتولفة الوزارية الحالية، وهي تشكلة لديها القدرة على التأثير داخل مقاطعة أو أكثر، ، مع تفاوت فى الأحجام وحسن العلاقة بالمحيط السياسى، والقدرة على تسيير المشترك مع أبناء الجهة أو القبيلة أو التحالف المنضوى تحت لواء الحزب فى مسقط رأس الوزير أو مكان ممارسته للعمل السياسى خلال الفترة الأخيرة.
ويتصدر وزير الاقتصاد والمالية المختار أجاي الصف الأول من أعضاء الحكومة، بعد اكتساحه لمقاطعة مكطع لحجار بأغلبية تجاوزت 99% ، ومرور عملية الانتساب والتنصيب بالمقاطعة دون أحلاف متصارعة أو ضجيج مزعج أو تنافس بين الفرقاء المنتمين للحلف، أو تنازع على المناصب المحتمل توزيعها بين المنتمين إليه، فى انتظار كلمة الوزير، مع تحمله لتكاليف العملية بالكامل.
وقد حاول الوزير المختار ولد أجاي خرق القواعد المتفق عليها بين نخبة مكطع لحجار بشكل عرفى منذ عقود، وهي الاكتفاء بمقاطعة واحدة والتعامل مع الأمور بحذر بحكم تعقيد المشهد داخل الولاية وتعدد الفاعلين فيه، حيث تمكن الوزير من بناء حلف عابر لمقاطعات الولاية كافة، مع تفاوت فى الحضور والتأثير.
وقد ضمن حلف الوزير المختار ولد أجاي بلدية " آلاك" المركزية لأول مرة، مع حضور قوى فى مركز مال الإداري، و"بعض المجالس المحلية الأخرى كجلوار وأغشورقيت وبوحديده.
كما حل حلف وزير التشغيل سيدنا عالى ولد محمد خونه فى المرتبة الأولى بمقاطعة "أمرج" كبرى مقاطعات الوطن، مع سيطرة شبه مطلقة على مسقط رأسه (بلدية أمرج المركزية) بنسبة تجاوزت 80%، وهو مايعزز من مكانة الرجل داخل التولفة الحكومية الحالية، ويؤكد أن تجاوز "أسرة أهل محمد خونه" فى مقاطعة أمرج غير ممكن سياسيا بحكم نتائج الانتساب أو انتخابيا كما حسمت ذلك نتائج انتخابات نوفمبر 2013 التى أطاح فيها بمرشح الحزب الحاكم دفعة واحدة وبفارق كبير، رغم ترشحه من أحد الأحزاب السياسية المغمورة.
وقد تمكن الوزير يحي ولد حدمين من عبور الامتحان فى مقاطعة "جكنى" بصعوبة، بعدما تمكن من الفوز بالبلدية المركزية (جكنى) بعد صدامات قبلية كادت تدوى بالسلم الأهلى فى المنطقة، وبلدية "اعوينات أزبل" بالتحالف مع عمدة حزب الوئام المعارض "تاري ولد التار" ، وخسر بلدية "كصر البركة" لصالح الوزير محمد محمود ولد فاليلى ، كما خسر "أفيرنى" بشكل لالبس فيه لصالح السفير حمادى ولد أميمو، وبلدية "بالنعمان" لصالح التحالف المحسوب على النائب أطول عمر ولد أنديده وأسرة العلامة الشيخ عبد الله ولد بيه.
وفى مقاطعة "كيهيدى" بولاية كوركل نجحت الوزيرة كمب با هي الأخرى فى خلق تحالف يمكنها من حسم المركز الأول بالمقاطعة لصالح حلفها، وأكدت أنها ضمن التولفة المنافسة على مستوى مقاطعة واحدة على أقل تقدير، مع حضور قوى لبعض منافسيها فى المقاطعة عبر حسمهم لبعض الفروع.
(*) الوزيرة الأمينة العامة للحكومة الغالية بنت اعل سالم : وهي قيادية بالحزب الحاكم، وهي من بين ثلاثة داخل التشكلة الوزارية تم انتخابهم من الشارع بشكل مباشر فى انتخابات نوفمبر ٢٠١٣ ، قبل أن يتم تعيينها فى الحكومة قادمة من البرلمان ، وعضو كذلك فى المجلس الوطنى لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وناشطة محلية بولاية لعصابه التى تعتبر من ثانى أكبر الولايات الداخلية.
وقد حافظت الوزيرة بنت اعل سالم على مكانتها داخل التولفة الوزارية ، وركزت جهودها خلال الفترة الأخيرة على أربعة مجالس محلية (ثلاثة فى لعصابه) ، مع الحضور فى مقاطعة عرفات بنواكشوط الجنوبية.
وقد حاولت بنت اعل سالم المزج بين عقد تحالف من محيطها فى لعصابه وعرفات، وتأسيس تحالف شبابى عابر للجهة والقبيلة بنواكشوط الجنوبية.
(*) وزير الشؤون الإسلامية أحمد ولد أهل داوود : الذى تمكن التحالف المحسوب عليه من الفوز بمقاطعة ولاته فى الحوض الشرقى، وهو تحالف يضم النائب سيدى ولد جاجوه ، وبعض أقارب الوزير ولد أهل داوود، كالأستاذ الجامعى أحمد ولد علال، مع حضور مقبول بالبلدية المركزية والقرى المحيطة بها.
وزراء الصف الثانى بموريتانيا (*)
أما فى المرتبة الثانية فقد حل ثلاثة وزراء مع تفاوت فى التأثير والعلاقة بالمحيط، عبر نشاطهم فى أكثر من مجلس محلى، وعجزهم فى نفس الوقت عن حسم المقاطعة بفعل قوة المنافسين من خارج التولفة الوزارية التى ينشطون فيها.
والوزراء هم :
(*) وزير الداخلية أحمد ولد عبد الله الذى تمكن من حسم موقع متقدم فى بلدية "أطويل" بمقاطعة الطينطان، وبلدية " حاسى عبد الله" فى نفس المقاطعة، مع حضور محدود فى بلدية الدفعة.
(*) وزير التجهيز والنقل محمد عبد الله ولد أوداعه الذى تمكن من تحقيق نتائج جيدة بثلاث مجالس محلية (اغشوركيت/ ألاك/ بوحديده) رغم خسارته للمركز الأول فى المجالس المحلية الثلاثة لصالح بعض الفاعلين المحليين (عمد وضباط ومدراء سابقين) ، مع حضوره على مستوى الولاية بفعل التحالف الذى ابرمه مع وزير الاقتصاد والمالية المختار أجاي.
(*) وزير المياه الصرف الصحى يحي ولد عبد الدائم ، الذى تمكن هو الآخر من تحقيق نتائج جيدة فى ثلاث مجالس محلية ( كرو/ كامور/ أويد أجريد) متصدرا على الحلف المحسوب على العمدة بفارق كبير.
(*) الوزير الأمين العام للرئاسة سيدى محمد ولد الشيخ سيديا: وهو أحد الفاعلين بقوة فى بلدية "بوتلميت" وبعض المجالس المحلية، مستفيدا من مظلة شيخ الصوفية البارز بالمقاطعة " الفخامة ولد الشيخ سيديا" بحكم حداثة توليه المنصب، وعدم فاعليته أصلا فى المشهد السياسى بالمقاطعة المتخمة بالأطر وكبار الفاعلين فى ساحة المال والأعمال وبعض ضباط الجيش.
وزراء الصف الثالث بموريتانيا (*)
وهي تشكلة وزارية نجح بعض أعضائها فى حسم مجلس محلى واحد على الأقل، أو المنافسة فيه بقوة أو تحقيق بعض الحضور بالتعاون مع بعض السياسيين المحليين.
ومن أبرز هؤلاء :
(*) وزير الصيد النانى ولد أشروقه الذى يصارع الآن من أجل الفوز بمنصب رئيس الفرع فى بلدية الغايرة، وهو طموح يقف فى وجهه تحالف النائب السابق أسلامه ولد عبد الله، رغم تحسن مركز الوزير المالى بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، وإقناعه لبعض المنحدرين من تكانت من أجل الاصطفاف معه ضمن فرز جهوى خطير تعيشه البلدية منذ أشهر.
(*) وزيرة الزراعة الأمينه بنت أمم : وهي إدارية بارزة قبل أن تنخرط فى المشهد السياسى من بوابة آدرار.
وتمتلك بنت أمم شعبية كبيرة داخل الولاية، كانت زيارة الرئيس لأطار ٢٠١٦ احظة استعراض لها، فة مشهد اربك منافسيها، ومنحها فرصة لاحضور بشكل مسؤول.
(*) وزيرة البيطرة فاطمه فال بنت أصوينع التى تمكنت من خلق قاعدة شعبية معتبرة ببلدية توجنين، تمكنها من حسم قطاعين أو ثلاثة، لكنها اختارت التحالف مع بعض رجال الأعمال، وتفادى المواجهة مع كبار الفاعلين فى المقاطعة، عكس تحالف الوزراء ( وزير الاقتصاد والمالية المختار ولد أجاي ووزير الطاقة محمد ولد عبد الفتاح) الذى تمكن من تعزيز مركزه بشكل لافت فى مجمل مقاطعات العاصمة نواكشوط.
(*) وزير الخارجية اسلكو ولد أحمد أزبيه : وهو أحد الفاعلين فى مقاطعة "انبيكت لحواش" سابقا ولديه حضور معتبر ببلدية "توجنين" بالعاصمة نواكشوط، والتى حاول من خلالها التحول من ناشط محلى يصارع من أجل حسم أحدث مقاطعة، إلى فاعل وطنى، يفاوض ويتحالف مع بعض رموز المال والسياسية بالبلد من أجل تأمين مستقبله أو تحصين موقعه أو الإبقاء على حضور فى الساحة السياسية بأقل تكلفة مالية وسياسية.
(*) وزير التهذيب اسلمو ولد سيد المختار: وهو أحد الفاعلين بقوة فى مركز "القدية" الإدارى، وينتمى لتحالف أوسع بمقاطعة تجكجه عاصمة تكانت، ولديه بعض الحضور فى العاصمة نواكشوط بحكم عمله ضمن لجان الأطر المكلفة بالتحسيس أيام الحملة المحضرة للتعديلات الدستورية، وعلاقته الجيدة ببعض الفاعلين فى الحقل التربوى.
(*) وزير الرياضة محمد ولد جبريل، وهو وزير شاب دخل الحياة السياسية من بوابة المجلس الأعلى للشباب، والشباب أنتم الأمل، لكنه سرعان ماتحول إلى ناشط محلى ببلدية العرفان بولاية آدرار مع أول زيارة ينظمها الرئيس محمد ولد عبد العزيز للمنطقة وهو فى منصبه كوزير.
ويخوض ولد جبريل حاليا معركة صعبة من أجل فوز التحالف الداعم له بفرع البلدية، لكنه يواجه معارضة قوية من بعض الضباط السابقين ووجهاء المنطقة وشبابها.
(*) وزير الثقافة محمد الأمين ولد الشيخ : وهو أحد وجهاء أركيز والفاعلين فيها، لكن الحضور الطاغى لعمدة بلدية أركيز محمد ولد أحمدوا لم يمنح الوزير فرصة لاستعادة مركزه الذى دخل به الحياة السياسية والحزبية باعتباره الشخص الأول فى المقاطعة، مستفيدا من دعم بعض القبائل الأخرى داخل المجلس البلدى، لكنه دعم لم يشفع له فى الفوز برئيس الفرع، رغم أنه منح الوزير وحلفائه فرصة المنافسة بشكل قوى والظهور كطرف محلى يحسب له حسابه فى المجلس البلدى على اقل تقدير.
(*) الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية محمد ولد كمب / وهو أحد الفاعلين فى بلدية "تامورت أنعاج" ضمن حلف يضم عمدة البلدية "أقرينى ولد محمد فال" ، وينافس الحلف المذكور من أجل الفوز بالفرع، بعدما تمكن حلف نائب المقاطعة سيد أحمد ولد أحمد والعمدة السابق أحمد ولد أحمد بده من حصد المرتبة الأولى، لكن مساعى الوزير والعمدة الرامية إلى التحالف مع المجموعة الثالثة ( أطر أنبيكه) قد يمنع النائب من الفوز بمنصب رئيس الفرع، لكنه لن يمنح الوزير وحلفه الفرع بحال من الأحوال.
بينما عجز بعض أعضاء التولفة الوزارية عن الحضور داخل الساحة السياسية خلال حملة الانتساب الأخيرة بفعل تعقيدات المشهد الحزبى، وصعوبة اختراق النخب غير المسيسية لمجتمع معقد، مكتفين بمتابعة أخبار البقية عبر المواقع الالكترونية وشبكات التواصل الإجتماعى، والمراهنة على حنان الرئيس وعطفه وميوله إلى استقرار الحكومة وعشوائية التعيين فى بعض الأحيان.
----------
(*) زهرة شنقيط / 8 يونيو 2018