هل أستلم قادة الحزب الحاكم أولى رسائل الرئيس؟

شكل حسم الرئيس وكبار معاونيه لملف المرشحين لقادة الاتحاديات الداخلية للحزب الحاكم رسالة بالغة الدلالة لمجمل الفاعلين فى الساحة السياسية المحلية قبل انعقاد المؤتمر، وتزكية مبكرة للطاقم المسير للحزب رغم ضجيج العملية القيصرية أو المحاولة التى أريد لها من قبل بعض أعضاء الحكومة والمناوئين لقادة الحزب من خارجه طواقمه المسيرة أن تكون نهاية سيئة للمسكين بتسييره منذ 2014، وتحضير المشهد القادم بأريحية من خلال التحكم فى قواعد العملية السياسية والتنفيذية والإحاطة بالرئيس.


 

ويقول أنصار الحزب وبعض معاونى رئيسه من أعضاء المكتب التنفيذى والمجلس الوطنى بأن الحزب الذى كان يوصم بالفاشل والميت من بعض قادته البارزين، تبين أن من كانوا يسيرونه محمل ثقة وتقدير من القواعد الشعبية المنتمية إليه بحكم السيطرة المطلقة على العاصمة نواكشوط ( ربع مليون منتسب) والولايات الداخلية كافة)، ومن الرئيس الناخب الأبرز أو المرجعية السياسية لرموز الأغلبية بحكم المعلن من المواقف والقرارات المتخذة من وقت لآخر لصالح تعزيز القيادة الحالية وتسيير الحزب وفق الرؤى المرسومة منذ فترة، وهو ما أعاد قلب الطاولة على دعاة المسح النهائى ، وأظهر أن طي صفحة التشكلة الماضية بكل شخوصها وإحلال قيادة جديدة غير ممكن فى الوقت الراهن على أقل تقدير، وأن من استعجلوا عقد المؤتمر العام للحزب يتجهون إليه الآن بقدر كبير من الإحباط والخيبة ونزر قليل من المناديب، لايضمن عضوية المكتب التنفيذى إذا احترمت قواعد العملية السياسية، أما الأقسام والمجالس والفروع، فتلك حكاية ختمت آخر فصولها يوم الجمعة، بتمرير مقترح يضمن استقرار 8 من رؤساء الاتحادات الداخلية، ويضمن لرئيس الحزب اختيار سبعة من التحالف الذى ينتمى إليه لتسيير البقية دون مشاكل أو اعتراض من أحد.

وقد عمد قادة اللجنة المكلفة بعملية المراجعة والتطوير إلى الإبقاء على رؤساء الاتحاديات الداخلية فى الحوضين ولعصابه وآدرار ونواذيبو ونواكشوط، وتم اختيار فدرالى جديد لتيرس زمور من ضمن المحور المصنف محليا ضمن تحالف "الشيخ ولد بايه" و"سيدى محمد ولد محم"، وفى تكانت تم التجديد ضمنيا لفدرالى الولاية، باختيار ابن أخيه للمنصب، وفى كوركل، حسم المنصب لحلف الوزيرة كمب با، وهي عضو التحالف المناوئ للوزير الأول يحي ولد حدمين، وفى سيلبابى كان الفدرالى من نصيب الجماعة المصنفة ضمن حلف رئيس الحزب الحاكم ( الوزير باعثمان والوزير محمد محمود ولد جعفر) رغم تقدم سيدنا سوخنا فى العملية الأخيرة ( تنصيب الفروع والأقسام)، وفى نواكشوط الغربية تم اختيار الشاب نور الدين افرانسوا، وهو أحد موالد مدينة لعيون، وناشط بالسبخة منذ فترة، ومدعوم بقوة من طرف رئيس الحزب الحاكم سيدى محمد ولد محم ومدير "أسنيم" أحمد سالم ولد البشير ( الحليف القوى لرئيس الحزب الحاكم).

 

وفى نواكشوط الشمالية تم التجديد للفدرالى أحمد ولد جدو ولد الزين، رغم تغرير الوزير الأول يحي ولد حدمين ببعض المجموعات القبلية فى دار النعيم، والتعهد لها بفدرالى نواكشوط الشمالية مقابل دعم مرشحه للقسم، وهو القسم الوحيد الذى تحصل عليه فى العاصمة نواكشوط خلال عملية التنصيب الأخيرة.

 

وشكلت إعادة ولد الزين رسالة بالغة الأهمية للطرف المناوئ للوزير الأول، حيث كانت المخاوف قائمة منذ عملية انتقام مدبرة يخطط لها رأس السلطة التنفيذية ضد أقاربه الرافضين للسير فى ركابه، أو الخضوع لضغوطه، وهو ما أربك أبرز نشطاء القبيلة التى ينتمى إليها فى توجنين بنواكشوط الشمالية، حيث تحالف ولد الزين مع الوزراء بقيادة المختار أجاي، وأختار البعض الآخر التحالف مع رجال الأعمال، تاركين للوزير الأول بعض نشطاء المجتمع المدنى، لتسيير أموره فى لحظة بالغة الصعوبة.

 

وفى ولاية نواذيبو تبين أن فدرالية الحزب ليست مجرد سيدة تدار من خلف الستار، أو صاحبة حظ فرضت على السكان بالقوة من طرف زوجها العقيد أو رئيس الحزب الحاكم الداعم لها بقوة ، بل إنها صاحبة المكانة الأبرز فى تسيير المنظومة الحزبية خلال المرحلة الحالية، وقد أطاح الحلف الذى تقوده بأحلام والى نواذيبو السابق ولد أحمد يوره، رغم الضجيج الإعلامي الذى صاحب إعلان حلفه الأخير، كما أن حظوظ الوزير حمدى ولد المحجوب معها كانت جد ضئيلة، لذا قرر الجميع عدم المنافسة وترك الأمور لمن يختاره الحزب، وقد وقع عليها الاختيار من جديد.

 

وفى ولاية لبراكنه تنازلت مجمل الأطراف الممسكة بالولاية خلال المرحلة الأخيرة ( وزير الاقتصاد المختار أجاي والفريق محمد ولد مكت) عن الفدرالى لصالح نخبة "بوقى" بحكم المخاوف القائمة من خسارة المجلس الجهوى إذا منح لجنوب الولاية، حيث ضعف الكثافة السكانية، وحضور القوى السياسية المعارضة للرئيس محمد ولد عبد العزيز.

 

وتشكل العملية فى حد ذاتها رسالة بالغة الأهمية عن حجم التدخل المحتمل فى اختيار رئيس الحزب، وهو مايعنى أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز دون غيره هو من سيتخذ قرار التمديد للرئيس الحالى سيدى محمد ولد محم أو اختيار غيره لتسيير الحزب خلال الأشهر القادمة.

 

كما أن حجم الحرية فى اختيار التشكلة الرئاسية للحزب سيكون محل نظر، مما يعنى أن التوافق يجب أ، يسود باقى المراحل، بدل منطق المغالبة والخلاف العبثى، فى ظل رئيس يشكل وجوده الضمانة الأبرز لاستمرار الحزب، ويعتبر قراره بمثابة نقطة الفصل فى أي خلاف بين رموز التشكلة المحسوبة عليه.

 

 

زهرة شنقيط / 30 يونيو 2018