شكل إعلان حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم عن مرشحيه لحظة تحول بالغة الدقة فى مسيرة الحزب وقادته وأعضاء الحكومة، مابين منضبط داخل الحزب ومستسلم لموازين القوى، وثائر من أجل تحقيق أحلامه ، ومخطط لكسر إرادة القوى الممسكة بتسيير الحزب فى أكثر منطقة.
وقد كان لأعضاء الحكومة الموريتانية نصيب الأسد من رفض قرارات الحزب والتحريض عليها، متهمين رئيسه سيدي محمد ولد محم باستغلال الثقة الممنوحة له من الرئيس من أجل تصفية خصومه، وإذلال المتحالفين مع مناهضيه داخل الحزب وخارجه، أو منحازين لقواعدهم الشعبية على حساب خيارات الرجل واللجنة المكلفة بالملف معه، فمنطق الدولة يمارس فى العاصمة، وسيادة القبيلة فى الداخل أهم من أي انضباط أو مؤسسية لاوجود لها خارج الأطر القانونية الناظمة للحزب، والتصريحات الإعلامية المجاملة لرئيس الجمهورية ، لحظة تفاعله مع الحزب أو تزكيته لبعض رموزه.
وقد تسارع وتيرة الخروج الحزب فى أكثر من دائرة انتخابية، وكان الشخص الثانى فى السلطة التنفيذية أول الخارجين على قرارات اللجنة والرئيس ، والتى كان جزءا منها فى بعض مراحل الفرز والاختيار.
يمم الوزير الأول يحي ولد حدمين وجهه صوب الحزب الوحدوى الناصرى، مستفيدا من خلفيته التاريخية وعلاقته الجيدة بالحزب، فقرر الزج بلوائح بلدية ونيابية من حزب تراجع فى الفترة الأخير بشكل كبير، وكانت ترشيحاته كاشفة لضعف الانضباط لدى قادة الحزب والمكلفين بحسم خياراته، كما قرر طرح لوائح باسم الحزب فى مسقط رأسه "جكنى" ، وخصوصا بلديتي "بالنعمان" و"كصر البركة"، حيث تم اختيار مرشحين من الطرف المناوئ له داخل المقاطعة، وهو ماتم أيضا فى مقاطعة "أمرج" ، بعد أن قرر طرح ثلاثة لوائح بلدية ولائحة نيابية من أجل ضمان ولوج مقربين منه للبرلمان عبر الوحدوى الديمقراطى.
وفى الشمال تزعم رجال الأعمال المعروف خداد ولد المختار التمرد على الحزب الحاكم وخيارته، وكانت المواجهة قوية فى "أفديرك" و"أطار" ، وهو ما دفع بالرئيس وبعض معاونيه إلى التعامل بحزم مع الملف، عبر الضغط على الأحزاب الصغيرة التى تمترس خلفها المنشقون من أجل سحب لوائحها، وهو ماحسم المعركة بشكل مبكر فى "أفديرك"، وأربك المنشقين عن الحزب فى "أطار" بعد انسحاب بعض المستشارين من لوائح الكرامة والعمل، وسحب لائحة الحزب المرشحة للنواب فى اللحظة الأخيرة.
وتبدو معركة "أطار" إعادة لمواجهة ثانية بين القوى الداعمة للرئيس والقوى المناوئة له، فى استنساخ لتجربة 2009، حينما قرر أغلب رجال الأعمال والوجهاء مواجهة الرئيس فى انتخابات يوليو 2009، ودفع الرئيس بأبرز معاونيه (النائب ساعتها سيدى محمد ولد محم) لحسم المعركة لصالحه فى أحد المعاقل التاريخية للأنظمة، والمهمة للرئيس والمحيطين به فى الوقت الراهن.
وفى المجرية ولعيون وولاته قررت أطراف قبلية الخروج دفعة واحدة من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، والعمل من أجل الإطاحة بمرشحيه، وظهرت بصمات بعض أعضاء الحكومة والإداريين فى المشهد، مع أن الكلمة الأبرز كانت للوجهاء المغاضبين، فى انتظار ما سيقوم به الحزب تجاه المنشقين عنه، والجهد المحتمل للممسكين –نظريا- بزمام الأمور فى المنطقة.
بينما خمدت ثورة البعض فى النعمة بشكل مبكر، وأختار آخرون الانسحاب من المشهد فى باسكنو بهدوء، وتنازل آخرون فى تمبدغه لصالح الحزب ومرشحيه، وتمترس آخرون خلف أحزاب صغيرة لمنازلة الحزب الحاكم فى "كوبنى" ، وبدت معركة الحزب فى الطينطان بالغة الصعوبة، بعد أن رفضت أطراف سياسية التصويت للمجلس الجهوى بدعوى بعض الحساسيات القديمة، ودفعت أطراف أخرى بلوائح منافسة للحزب فى المجالس المحلية والنيابية، وأختار آخرون لوائح وطنية للترشيح منها، وترك الحزب يواجه مصيره فى منطقة بالغة التعقيد.
وفى مقاطعة أركيز لاتزال معركة الولاء للحزب تتقاذفها الأطراف السياسية المحلية، فبين رافض للتصويت للعمدة ومتهم بالخروج على النواب، وثالث يتهم الطرفين بخذلانه، ورابع يحاول الاستفادة من واقع الأطراف المتصارعة للفوز بمقعد أو الحضور فى مجلس بلدى.
أما العاصمة نواكشوط فضعف الانضباط فيها هو حديث الساعة، أكثر من 30 لائحة فى كل مقاطعة، والمرشحون فى الأساس من نشطاء الحزب، ومناديبه لدى المؤتمر، والداعمون لهم قادة فى المكتب التنفيذى أو أعضاء فى الحكومة أو رجال أعمال يعول عليهم الحزب فى لحظة بالغة الإحراج له.
ورغم الضجيج المتصاعد قبل الحملة المحضرة للانتخابات، فقد كشر الحزب عن أنيابه، وخرج رئيسه بتعميم مفاجئ، يحذر فيه من دعم اللوائح المنشقة عن الحزب، ويطالب قادته بالانضباط ويتحدث عن إجراءات تأديبية للمخالفين.
تعميم لم ينل حظه من التداول الإعلامي بحكم الخلاف بين الأطراف المتصارعة فى الحزب، لكن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قرر هو الآخر حسم الجدل الداخلى بتصريح أكثر جرأة، وقرع المطبلين له من دعاة المأمورية الثالثة، معتبرا أن الطريق للإستمرار فى الحكم هو التصويت للحزب الحاكم ولوائحه كاملة دون تمييز، وأن دعم الرئيس ونظامه يمر عبر بوابة الحزب، وليس التصريحات الجوفاء أو أحزاب أغلبية متوقعة ... فهل يفهم أعضاء الحكومة رسالة الرئيس؟ وهل حانت لحظة المفاصلة بين الحزب وبعض المنشقين عليه؟ وهل ستكون نتائج سبتمبر نهاية مشوار تمرد غذته الخلافات الأقران والأطماع وزاد منه تحريض الأتباع والمناصرين؟..
سيد أحمد ولد باب / مدير زهرة شنقيط