موريتانيا فى الكان 2019 .. أحلام جيل وآمال أمة (*)

كانت مواجهة موريتانيا والسينغال 2013 محطة فاصلة فى تاريخ الكرة الموريتانية المعاصرة بعد خمسة عقود من التيه واهدار الموارد والفرص، لقد شكل العبور إلى الشان لأول لحظة تحول بالغة الدقة فى مسار الرياضة الموريتانية وكرة القدم على وجه الخصوص. كان شعورا لايقاوم، خرج الآلاف إلى الشوارع فرحا بأول تأهل فى تاريخ البلد لبطولة قارية، وكان للفوز على السينغال طعمه الخاص، بحكم المعلوم عنها من التطور فى مجال الرياضة، ناهيك عن الصدمة التى أحدثها هدف الخصم المباغت فى ملعبه بالعاصمة السينغالية دكار قبل أسبوع واحد من مباراة الحسم ، والألم الذى عاشته النخب الكروية بموريتانيا، وهي تشاهد حلمها التأهل يسرق أو يكاد، بفعل أخطاء المدرب وحماقة بعض اللاعبين وسوء الطالع الذى ظل سمة الفرق الموريتانية كلما عنت لحظة الحسم، وتاقت الأعناق للفوز بعد صراع مرير..

 

خرج العامة إلى الشوارع لساعة متأخر من الليل، وتراقص الجمهور فى المدرجات طيلة أشواط اللقاء ، ولم يتمالك الرئيس نفسه وهو يشاهد الصغير "مولاي أحمد خليل (بسام)" يتلاعب بأقارنه فوق النجيلة الخضراء، لقد وقف أكثر من مرة طيلة المباراة تحية لبراعم الكرة وهم يواجهون نسور السينغال بندية عالية، وعبر أعضاء الحكومة عن فرح غير منقوص، وهو يشاهدون أعظم منجز كروى يسطر على الأرض دون تكاليف كبيرة، بينما كان العالم المهتم بالساحرة المستديرة من حولنا يسجل ولادة جيل كروى جديد.

 

 

كان رئيس الاتحاد الموريتانى لكرة القدم أحمد ولد يحي بين الجمهور يذرف دموعه، وكان الفرحة بالفوز المستحق أكبر من أن تستوعبها الجماهير الحاضرة، لقد كافح الممسكون بزمام الكرة على مر العقود الماضية من أجل لحظة كهذه، لكن شاء القدر أن يكون ابن المدينة الساحلية (نواذيبو) هو القاطرة التى تقود الكرة الموريتانية إلى أهم منجز فى تاريخها، بعد تخطيط وتنفيذ ودعم غير منقوض من أبرز أركان الحكم لمشروعه الكروى الذى نافسه به أبرز تجار البلد قبل أن يطيح به فى انتخابات 2011 المشهودة.

 

 

خاض المرابطون بطولة "الشان 2014" وغادروا البطولة بشكل مبكر بفعل ضعف التجربة وعجز المدرب عن تحضير لاعبيه بشكل جيد ، لكنها كانت فرصة لفت الإنتباه إلى عالم المستديرة الساحرة فى موريتانيا، فتاقت أندية العرب والغرب لنجوم الكرة الموريتانية، وكان "مولاي أحمد خليل (بسام) أبرز المغادرين نحو الأمدية الإفريقية ضمن صفقة هي الأهم فى تاريخ ناديه الصغير ساعتها، قبل أن يلتحق به " المامى أتراورى" و"اسماعيل جاكيتى" و"مام أنياس" و"الحسن العيد" و"اعل الشيخ ولد الفلانى" و"عالى أعبيد" و" عبد الله السودانى" و"بوبكر أبيقيلى" ...

 

لقد بدأ البلد بالفعل يعيش واقعا كرويا لم يشهد من قبل، فبعد سنوات الهزيمة المذلة، وتجنيس أكثر من لاعب ضعيف البنية والتأثير لمواجهة الأقران بالقارة السمراء، باتت أندية "تونس" و"الجزائر" والمغرب" والسعودية" و"أسبانيا" وجنوب افريقيا" و"لبنان" و"عمان" و"لتوانيا" و"الكويت" بوابة احتراف مفتوحة أمام النخبة الكروية بموريتانيا، ومسيروها أعينهم موجهة إلى ملاعب "الرياض" و"نواذيبو" و"تفرغ زينه" و"لكصر" و"أطار" من أجل الفوز بلاعب صاعد، يمتع الجمهور ويعزز صفوف الأندية بتكاليف مقبولة، فى عالم باتت كرة لقدم فيه أكثر من لعبة، بل استثمار ينتقى فيه الطيب ويستبعد منه القريب غير القادر على المنافسة والانجاز..

 

 

لكن حلم الجيل الممسك بزمام الكرة الموريتانية كان أبعد من "الشان" الذى تأهل له للمرة الثانية فى تاريخ البلد والثانية خلال أربع سنوات فقط، حيث يمم ولد يحي ورفاقه صوب تحقيق منجز آخر ينفع الناس ويمكث فى الأرض، وكانت بطولة "الكان" المحطة الثانية والهدف الأقرب فى ظل قوة المنافسة على كأس العالم ولعنة القرعة التى ظلت تمطر البلد بسيل من المنافسين الأقوياء ، ولما يشتد عوده بعد ويكتسب لاعبوه خبرة وتجربة تقى من الزلل فى مواجهة الكبار.

 

 

كان تجربة 2017 ممتعة وحزينة، لقد كانت البداية القوية أمام "الكامرون" مصدر فخر لموريتانيا وللجمهور الكروى الذى تابع 88 دقيقة من اللعب المقنع أمام أرقى الفرق وأكثرها ترشيحا للفوز بالبطولة، ولكن خبرة الخصم كانت أقوى من طموح المدرب الجديد، فسقط المنتخب بهدف وحيد خارج الديار، لكنه كان الهدف الذى حرم المنتخب من العبور نحو الكان بشكل سلسل..

 

 

أمتع رفاق "مولاي أحمد خليل (بسام)" أمام جنوب افريقيا، وأجبروها على الإستسلام بأدب أمام النخبة المحلية بثلاثية لم يتوقعها أكثر المتفائلين، وفى مباراة العودة فرضوا عليها التعادل بكل أريحية، ورفعوا اسم البلد عاليا، مستحقين تهنئة رسمية مكتوبة من جنوب افريقيا ماتزال إلى اليوم تزين أروقة الاتحاد الموريتانى، ناهيك عن بيان شكر وتهنئة من الحكومة الموريتانية التى قاطعت مواجهة الكبار بفعل المخاوف من خسارة المنتخب بنتيجة ثقيلة، دون أن تدرك أن الاعداد للمواجهة كان على مستوى التحدى، وأن طموح المنتخب الموريتانى أقوى من اكراهات الواقع وخطط الغير.

 

 

قبل أشهر قليلة تحركت عجلة "الكان" من جديد ، وبدأت الفرق فى سباق مع الزمن من أجل حصد مقعد داخل البطولة المقرر تنظيمها فى الكاميرون 2019، وكانت القرعة قاسية هذه المرة مع موريتانيا، لقد وضعتها ى مواجهة "بوركينا فاسو" و"أنغولا" و"بتسوانا"، وهي فرق لها باع كبير فى عالم الساحرة المستديرة، لكن الهمة ظلت كما هي ، وكانت بشائر النصر تترى ، مع أول فوز سجله المنتخب خارج الديار على "بتسوانا" وأمام جمهور غصت به مدرجات الخصم، ليمنح الأمل للشعب الموريتانى من جديد.

 

وفى المواجهة الثانية أكتوت "بوركينا فاسو" بنار المنتخب الموريتانى بثنائية نظيفة، حيث كان ملعب شيخا ولد بيديا شاهدا على ملحمة بطولية استمرت إلى غاية الدقيقة الأخيرة، وأعطت أملا للجماهير التائقة نحو الفوز، بأن الجيل الحالى قادر بالفعل على جلب مالم يجلبه الأوائل.

 

ومع التعثر فى "أنغولا" بأربعة أهداف لهدف، كان المتسلقون على الموعد، لقد هاجموا الكتيبة الكروية ولما تنقشع المعركة، كانت سخريتهم تملأ فضاء "مارك"، ونكاتهم بحجم الحقد الذين يحملونه، ودعواتهم للإستقالة أكثر من دعوات المعتكف فى العشر الأواخر من رمضان ..

 

لقد كانت محطة عابرة بالنسبة للمهتمين بالكرة، فمن هو الفريق الذى لايخسر؟ ومتى كان الولاء للفائز فقط؟ لقد امتحنت وطنية جيل بأكمله وهو يسخر من ممثله ولما يغادر أرض الخصم، لكن رفاق "آداما با" كانوا على الموعد من جديد ، حينما سجل هدفين فى أمسية رائعة ، حتى ولو ألغي أحد أهدافه بدعوى التسلل، لقد كان مقنعا وممتعا وصادما لكل الذين راهنوا على الفشل من أجل الخروج من جحورهم مرة أخرى، لقد كانت أمسية "أنغولا" الثانية بداية لمشوار جديد ..

 

لقد سجلت كل وسائل الإعلام العالمية المهتمة بالبطولة الإفريقية الأكثر متابعة على الإطلاق تصدر موريتانيا لمجموعة الموت وبفارق مريح (9 نقطة بينما تجمد رصيد بوركينا فاسو عند 7 نقاط)، وباتت الأنظار متجهة إلى مواجهة "بوتسوانا" لمعرفة أو فريق يتأهل من المجموعة إلى الكان 2019 ، إنها اللحظة التاريخية التى ينتظرها كل أحرار البلد من أجل العبور إلى تأهل آخر، من يدرى .. لعل مساء الثامن عشر من نوفمبر 2018 يحمل أفضل خبر انتظرته الجماهير الموريتانية منذ عقود ( التأهل إلى الكان) ، ولكن قبل جولة من تأهل الفرق الأخرى المشاركة فى البطولة، شيئ ممتع إن حصل بالفعل ، فموريتانيا فعلا بحاحة إلى أن تتأهل قبل عيد الإستقلال لحدث ينسى أجيالها أتراح السياسية وخلافات الأقران، أما رئيس الاتحاد الموريتانى لكرة القدم أحمد ولد يحي فقد يختم مأموريته الثانية بتأهل المنتخب إلى الكان لأول مرة ، كما ختم الأولى بتأهل المنتخب إلى الشان لأول مرة كذلك ..

 

 

سيد أحمد ولد باب / مدير موقع زهرة شنقيط

 

----------------

ولد حيبلله : مشروع أظهر أكبر انجاز فى تاريخ المنطقة بعد الاستقلال (*)

قائد أركان الحرس : الجهاز شكل أحد أركان الدول الموريتانية الحديثة/ صور

ولد الداف : المنطقة الحرة غيرت وجه نواذيبو وأنعشت آمال السكان / صور

29 ألف شكوى أمام الأجهزة القضائية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة / خاص

نشر السيرة الذاتية لرئيس الجمعية الوطنية الجديد ( وثيقة)

موريتانيا تخسر أشهر أغنية فى تاريخها المعاصر / فيديو