تقديم عن دراسة د.أحمد كوري يابة السالكي على كتاب شيخ القراء التنواجيوي

الباحث : سيدينا محمد اماه
https://www.facebook.com/Sidimedelhachimy

تلقيت قبل أيام هدية نفيسة من شيخي وأستاذي د. احمد كوري يابه السالكي، تمثلت في دراسة قام بها لمخطوط من أنفس المخطوطات في علمي الرسم والضبط،لأبي محمد سيدي عبد الله بن أبي بكر التنواجيوي الشنقيطي المتوفي سنة 1145هـ والموسوم بــــ "النقل الموسوم، بتبيين ما خالف فيه الحاج المرحوم"في علمي الرسم والضبط .
وبما أن إحياء التراث ضرورة علمية وقومية وإنسانية لكل أمة، والاهتمام به ليس اهتماما بتاريخ فقط بقدر ما هو بناء للمستقبل، فتراث الأمةالإسلامية وميراثها عظيم ومليء بالنوادر، ومكتظ بالجواهر التي يعز وجودهافي غيره، سأحاول تقديم خلاصة عامة هذا الكتاب - للقراء عموما وطلبة المحاظر والمعاهد بشكل أخص - وذلك من خلال ثلاث محاور أساسية، هي:
 التعريف بالباحث المحقق وتبيين المنهج العلمي المتقن الذي اتبعه
التعريف بالمؤلف أبي محمد سيدي عبد الله بن أبي بكر التنواجيوي
التعريف بالدراسة والكتاب المحقق
أولا : التعريف بالباحث المحقق وتبيين منهجه العلمي المتقن الذي اتبعه
1. التعريف بالباحث المحقق
هو الشيخ العلامة الشريف د. أحمد كوري بن يابة السالكي ولد سنة:1390هـ 1970م، في العاصمة انواكشوط.
عالم متمحظر، وباحث متفنن، وزاهد متبتل بشوش كريم، يحب طلبة العلم ويساعدهم، حتى إنه خلال فترة إعداد البحوث في الجامعة تتحول مكتبته من منزله إلى مساكن الطلاب، ومن رآهم مجتمعين عليه عند خروجهم من الدرس
يظنه مشرفا على بحوثهم جميعل، لكن الأمر ليس كذلك، بل ذلك مجرد مساعدة لهم؛ فلا أكاد أفرق بيني حينما كان يشرف على بحث تحرجي وبين طالب قادم من قسم اللغة العربية أو قسم الفقه والأصول أو غيرهما .... يساعد الجميع وكلنا يحسبهخصه بما يفعله معه من إحسان .

مهتم بالتراث العلمي عموما وتراث موريتانيا بشكل خاص، لديه قدرة فائقة على البحث والجمع والتمحيص ، وزيادة على ذلك فهو:
- حافظ لكتاب الله على أيدي عدة شيوخ، وجوده ودرَس رسمه وضبطه، وتوج دراسته القرآنية بالحصول على إجازة في القراءات السبع. ودرَس العلوم الشرعية والعربية، وحفظ المتون المتعلقة بها والمعتمدة في المحاضر
الشنقيطية، وحصل على إجازة فيها، وعلى عدة إجازات في الحديث الشريف، وحصل
على عدة تزكيات من شيوخه.
- حاصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة محمد الخامس بالرباط.
- حاصل على شهادة الليصانص (الإجازة) من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية في الفقه وأصوله.
- حاصل على شهادة المتريز (الإجازة) من جامعة نواكشوط في اللغة العربية وآدابها.
- نائب عميد كلية أصول الدين بجامعة العلوم الإسلامية بالعيون/ موريتانيا، منذ سنة: 2017م. ويعمل أستاذا بجامعة العلوم الإسلامية بالعيون، منذ افتتاحها، سنة: 2012م. وعمل أستاذا بمعهد ابن عباس للدراسات الإسلامية، ابتداء من السنة الجامعية: 2006/2007م، حتى السنة الجامعية: 2010/2011م. وعمل أستاذا متعاونا بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، ابتداء من السنة الجامعية: 2006/2007م، حتى السنة الجامعية: 2010/2011م. وعمل أستاذا بـ"المحظرة النموذجية للدراسات العليا" التابعة لرابطة العلماء الموريتانيين (القسم التمهيدي)، في السنة الجامعية: 2010/2011م. وأشرف على أكثر من مائة من بحوث الإجازة في جامعة العلوم الإسلامية بالعيون، والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، ومعهد ابن عباس للدراسات الإسلامية. وأشرف على ثلاث رسائل ماجستير في جامعة محمد الأمين الشنقيطي.
- بدأ يُدَرِّس المتون العلمية للطلاب، منذ كان طالبا في محظرة نور العلم، وما يزال يُدَرِّس المتون للطلاب حتى الآن، ويلقي الدروس والمحاضرات العامة في المساجد. وأذيعت بعض أحاديثه في "إذاعة القرآن الكريم"، وقناة الساحل.
- عضو رابطة العلماء الموريتانيين، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين. وشارك في عضوية لجنة تحكيم المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم، التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية (دورة: 1429هـ). ورئيس لجنة تحكيم مسابقة حفظ القرآن الكريم ومسابقة السيرة النبوية والشمائل ومسابقة حفظ المتون العلمية، التي تقيمها جامعة العلوم الإسلامية بالعيون، من دورة: 1434/1435هـ، إلى دورة: 1437/1438هـ. وعضو هيئة تحرير مجلة جامعة العلوم الإسلامية بالعيون، ومحكم معتمد لديها، ومحكم معتمد لدى مخبر اللغة والتواصل التابع للمركز الجامعي أحمد زبانة، غليزان، الجزائر. وعضولجنة نشر مصحف رواية قالون.
- له بحوث علمية محكمة منشورة، ومؤلفات مطبوعة ومخطوطة. وشارك في عدة ندوات علمية.
- عالم متخصّص بموضوع المخطوط الذي حققه، ذو ثقافة واسعة باللغة العربية، علومها وآدابها وتاريخها كما أنه ذو معرفة تامة بالمكتبة القرآنية المطبوعة والمخطوطة، عالم بمناهج الباحثين في هذا المجال (تحقيق المخطوطات) وأساليبهم و مؤلّفاتهم والمنقول عنهم.

2تبيين المنهج العلمي المتقن الذي اتبعه المحقق:

حاول المحقق من خلال هذه الدراسة ان يصل إلى هدفين أساسين هما:
_ إخراج نسخة من النص قريبة من نسخة المؤلف
_ خدمة النص ليتمكن القارئ من الاستفادة منه
اعتمد شيخنا د. أحمد كوري في تحقيق هذين الهدفين عدة وسائل هي :
في التحقيق:
_ ذكر أنه لم يقف إلا على نسخة واحدة من الكتاب لكنه رجع إلى نقول الشيخ أحمد بن محمد الحاجي عن الكتاب وذكر أن بعض هذه النقول تصرف فيه الشيخ وبعضها لم يتصرف فيه .
كما رجع لما نقله الشيخ ابن انبوجة التيشيتي، واعتبر ما نقله هذان الشيخان كنسختين أخريين، وقابل عليهما وذكر الفوارق بينهما وبين الأصل.
_أما في حال وجود تحريف أو تصحيف فإنه يثبت ما ظهر له أنه صواب في المتن بين معقوفين ، ويذكر ما ورد في المخطوط في الحاشية، كما وضع بين معقوفين الزيادات التي لم ترد في المخطوطة لكن يقتضيها السياق.
_ كتب النص بالطرق المعتمدة في الإملاء الحديث .
_ ضبط ما يحتاج على ضبط من النص .
_أشار إلى بداية لوحات النسخة المعتمدة داخل النص بين خطين مائلين // .

في التنسيقِ:

_التزم في الآيات القرآنية الرسم العثماني والضبط الموافق لطريق الازرق عن ورش عن نافع .
_قسم النص إلى فقرات ، وحلاه بعلامات الترقيم.
_سود عناوين النص إبرازا لها.
في التعليق:
_ مهد للنص بدراسة تتضمن : التعرف بالمؤلف ، والكتاب ، والنسخة
المعتمدة، ومنهج التحقيق.
_ نقل تعليقات ابن انبوجة والحاجي على كلام المؤلف .
_ وضع عناوين لموضوعات الكتاب وحصرها بين معقوفين .
_ خرج ما عزاه المؤلف إلى مصادر علمي الرسم والضبط .
_ خرج الآيات بذكر سورها ورقمها حسب العد المدني الأخير ، بين معقوفين.
_ خرج الأحاديث الواردة في النص والدراسة معا.
_ ترجم للأعلام المذكورين في النص من غير المشاهير .
_ أحال في الدراسة والهوامش إلى أرقام الفقرات لأن الصفحات قد تتغير أثناء الإعداد للطبع.
_ زود الكتاب ببعض الفهارس العلمية الميسرة للاستفادة من النص.
_ رجع المحقق لــ10 مصاحف و 146 كتابا وبحثا، وموقعين إلكترونيين، أحدهما موقع جائزة الشيخ سيدي عبد الله بن أبي بكر التنواجيوي.
ثانيا: التعريف بأبي محمد سيدي عبد الله بن أبي بكر التنواجيوي:
هو أبو محمد سيدي عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن معاذ التنواجيوي.
والظاهر أن تسميته بـ"سيدي" طارئة عليه وليست من اسمه الأصلي، بل ألحقت به بعد عودته من رحلته العلمية، وهو طلب يطلقه الشناقطة وغيرهم من المغاربة على كل من اتصف بالمواصفات الحميدة.
وكان يلقب بعدة ألقاب منها: (الحاج )، و(صاحب القرآن)، و(شيخ القرآن)، ولقبه ابن اطوير الجنة في تاريخه بـ"السيد التنواجيوي".
أما عن نسبه فهو ينتسب لقبيلة تنواجيو.
توفي كما اتفق على ذلك مترجموه سنة: 1145هــ. أما ولادته فليس لها تاريخ دقيق لكن د. أحمد كوري توصل إلى أنه ولد حوالي 1080هـ حسب ما اتضح له من معطيات سيرته والنظر في تاريخ رحلته التي قال ابن حامدن إنها كانت في بداية القرن الثاني عشرهـ، وكذلك ما ذكره الشيخ محمد عبد الله بن الإمام الجكني صاحب رفع الخفاء عن منع إبدال الهمزة بالهاء وطرد الدخيل عن حروف التنزيل، وما ورد في نشر الفضيلة في مآثر القبيلة للشيخ محمد المحفوظ بن محمد الامين وما ذكره د. الشيخ ابراهيم في مقال له بعنوان (مدرسة التصوف التنواجيوية مع تأملات في تاريخ القبيلة، من أنه أمضى سنتين في مدينة شنقيط وأنه لبث ثماني عشرة سنة مدرسا في قبيلته، وما صرح به أحد تلامذته من أنهبقي 40 سنة في طلب العلم.

أما عن شيوخه فأبرزُهم حسب ما توضحه الإجازات القرآنية في هذا القطر وما ذكره البرتلي في كتابه فتح الشكور في تراجم أعيان علماء التكرور ، والمختار بن حامدن في كتابه: حياة موريتانا (الحياة الثقافية ج 2) الشيخ أحمد الحبيب اللمطي السجلماسي، فقد أخذ عنه علوم القرآن الكريم كما نص على ذلك هو نفسه في رسالة تبيين مخرج الجيم وصفته ، كما أخذ عنه الطريقة الشاذلية الناصرية وكان من أوائل من نشرها في بلاد شنقيط .
وله مؤلفات مفيدة وفتاوى فقهية، كما ذكر البرتلي وابن البراء.
هذا وقد أثنى على الشيخ سيدي عبد الله بن أبي بكر التنواجيوي جهابذة هذه البلاد وعلماؤها ممن درسوا عليه وغيرهم، نذكر منهم على
سبيل المثال :
 تلميذه الطالب أبو بكر بن محمد بن اجبير العلوشي
 تلميذه صاحب رسالة الرد على العلامة منيرة الالفغي في مسألة الجيم
 الشيخ أحمد بن محمد بن موسى بن أيجل الزيدي التشيتي (ت 1272)
 البرتلي صاحب (فتح الشكور في معرفة أعيان وعلماء التكرور)
 سيدي المختار بن علي بن الشواف الجكني (ت1195)
 الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي (ت 1233)
_ المؤرخ جده بن الطالب الصغير البرتلي (كان حيا سنة 1236)
_ الشيخ أحمد بن محمد الحاجي (ت 1251هـ) صاحب (الجامع المقدم شرح الجوهر المنظم في رسم الكتاب المعظم)
_ الشيخ الطالب أحمد بن اطوير الجنة الحاجي الواداني (ت 1256) صاحب تاريخ ابن
اطوير الجنة
_ الشيخ سيدي الكبير (ت 1285) في فتوى له أوردها د. يحيى بن البراء في: (المجموعة الكبرى الشاملة لفتاوى ونوازل
وأحكام أهل غرب وجنوب الصحراء).
_ محمد أحمد الصغير بن حمى الله المسلمي التيشيتي (ت 1324)
_ عبد العزيز بن عبد الرحمن المحجوبي صاحب (القصيدة اللامية في الرسم )
 الشيخ إبراهيم بن الحاج بن بودادية التنواجيوي ق14هـ، كما في نشر الفضيلة في مآثر القبيلة للشيخ محمد المحفوظ بن محمد الأمين.
 المختار بن حامدن في كتابه: (حياة موريتانيا، ج 32 وفيات الأعيان)
 الفقيه الشيخ محمد المحفوظ بن محمد الامين (ت1427) في كتابه: نشر الفضيلة في مآثر القبيلة
_ د. محمد المختار بن اباه في كتابه: تاريخ القراءات في المشرق والمغرب.

وعلى العموم فإن للشيخ سيدي عبد الله التنواجيوي عند الشناقطة مكانة كبيرة، إذ أخذ عنه الشناقطة علوم التجويد والقراءات والرسم والضبط ، وقد سيطرت طريقه في السند القرآني على جميع أنحاء هذا القطر، فصار رائدا في ازدهار علوم القرآن والتجويد والرسم والضبط.
وأخذ عنه مجموعة من علماء وأعيان البلد، سأذكر هنا ما اطلع عليه شيخنا منهم:

1) الخضر بن الفقيه محمد بن الحاج عثمان الجماني (ت 1153 أو 1154 أو 1155هـ)
2) محمد مولود بن المختار بن المصطفى الغلاوي
3) سيدي أحمد بن موسى بن أيجل الزيدي (ت 1171هـ).
4) إلياس بن الفقيه محمد الحاج عثمان الجماني (ت 1179)
5) سيد المختار بن علي بن الشواف الجكني (ت 1195)
6) العلامة الطالب البشير بن الحاج الهادي الإديلبي
7) الطالب صالح بن الطالب مختار التنواجيوي ..
8) المختار بن عمر بن الحاج الطيب بن الطالب صديق الجماني
9) سيدي محمد بن عبد الله بن بابا التنواجيوي
10) عبد الرحمن بن محمد الفضيل
11) الطالب أبو بكر بن محمد بن اجبير العلوشي
12) الشيخ سيد الامين بن حبيب بن أبانا أحمد الجكني
13) صاحب رسالة الرد على العلامة منيرة الألفعي في مسألة الجيم
14) سيدي عبد الله بن محمد بن القاضي العلوي المعروف بابن رازكة (ت 1144هــ)
15) عمر بن أحمد بن بوه الإديلبي (ت 1152هـ).

ثالثا : التعريف بالكتاب المحقق:
هو كتاب: (النقل الموسوم بتبيين ما خالف فيه الحاج المرحوم فيعلمي الرسم والضبط)، وموضوع الكتاب هو رد أو تعليق على مصحف كتبه المرحوم الشنقيطي العلامة الذي اشتهر مصحفه حتى صار إماما معتمدا لدى نساخ المصاحف في بلاد شنقيط .
تناول الشيخ التنواجيوي في هذا الكتاب خمسا وستين مسألة، منها تسع وخمسون مسألة رسمية، وست مسائل ضبطية،وهذه التسع والخمسون كلها تتعلق بحذف وإثباته، إلا أن ثلاثا منها له تعلق أيضا برسم الهمزة، وخمس من هذه المسائل لم يخالف فيها التنواجيوي المرحوم؛ فاتفقا على الإثبات فيها، والأربع والخمسون الباقية سبع وأربعون منها ذهب فيها المرحوم إلى الإثبات ورجح فيها التنواجيوي الحذف، وسبع العكس، فالمرحوم عموما يرجح مذهب الإثبات، والتنواجيوي يرجح عموما مذهب الحذف .

أما النسخة التي اعتمد عليها المحقق فنسخها الطالب أحمدنا بن المختار بن ببان، كتبها لاهمار اسر بن أحمد بن حمى الله، وأكمل نسخها ضحوة الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الثاني، سنة، خمس وستين بعد المائتين والألف.
وهذه النسخة خطها شنقيطي مقبول ، وهي سبع أوراق وجه الأولى منها فارغ ، وقياساتها 10.24*15.36، ومتوسط عدد السطور في الصفحة: 29 سطرا.
وختاما لا يسعني إلا أن أنوه بهذا الجهد الذي قام به الباحث ، فالتنواجيوي __ رغم علمه وشهرته وتفرده في هذه البلاد بطريق السند القرآني إذ لا تكاد تجد سندا إلا ويمر عليه __ لم يتناوله أي باحث قديم أو معاصر بقدر ما تناوله به شيخنا د. أحمد كوري يابة السالكي ، كما أحسن في تعامله مع النص المحقق وأحال القارئ إلى أهم المراجع المعتمدة في الموضوع فجزاه الله حيرا ووفقنا وإياه وجميع المسلمين لفعل الخير.