حمل مظلمته وقرر دخول المعترك السياسى من أوسع أبوابه، لم تثنيه مواقف الرئيس التصعيدية تجاهه، ولا إجراءاته الرامية إلى تدمير مستقبله، ولم يشكل فصله من الوظيفة العمومية أكثر من دافع له من أجل خوض معركة الرئاسيات الأهم فى تاريخ النخبة السنغالية والجوار الإقليمي، معتمدا على نخبة شبابية غصت بها مهرجاناته وأماسيه الثقافية، إنه المخلص فى نظر الآلاف من أبناء شعبه، والمهيمن على شبكات التواصل الاجتماعية خلال الفترة الأخيرة.
يتابع السنغاليون بشغف بالغ معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويتطلع الملايين منهم لتغيير الوضع بعدما بات الرئيس "مكى صال" فى نظرهم عبئا على الحياة السياسية بحكم نفوذ عائلته ومحيطه المباشر، وديكتاتورا صغيرا لم تحمله فوهات البنادق إلى سدة الحكم، لكنه يحاول الآن التمترس خلفها واستغلال القضاء لتدمير خصومه واحدا تلو الآخر. يتحرك "عثمان سونغو" وقد تجاوز عقده الرابع داخل مدن السنغال وأقاليمه من أجل حشد الدعم لحملته، وتجاوز العقبة القانونية التى حاول الرئيس مكى صال وضعها فى وجه منافسيه من أجل التحكم فى العملية السياسية والفوز من الشوط الأول.
ففى السينغال مسلمة شائعة "إذا ذهب الرئيس لجولة الإعادة سقط". اشتهر المرشح الطامح لشدة الحكم فى الجارة السينغال بانتقاده الشديد للاتفاقيات الحكومية المبرمة فى مجال النفط والغاز، ولديه اعتراض بالغ الوضوح على اتفاقية التقاسم القائمة بين موريتانيا والسينغال، ويحاول عرقلتها من وقت لآخر من خلال اتهام الرئيس مكى صال بالتلاعب بالثروة السينغالية وتبديدها، وإدارة الملف بشكل سيئ.
عباراته الخشنة فى المهرجانات الخطابية، لاتتناسب مع شكله، لكن الشاب الوديع المثقف، يحاول الآن الوصول للسلطة بأي ثمن، إنه يدرك بأن التركيز على مكى صال وعائلته أهم نقاط الضعف لدى التحالف القائم. لا يساعد سلوك "عليون صال" أخوه فى تدبير الشؤون السياسية، ويعتقد الآلاف من السنغاليين أن تدخل الشقيق الأصغر فى ملف النفط والغاز ماكان ليحدث بهذا الشكل الفج، لولا إرادة شقيقه، ويتحدث البعض عن شركات وهمية للتربح، وتسهيلات بالغ أصحابها فى خرق القانون والتلاعب به من أجل تكديس الثروة ونهب أموال السنغاليين دون تقسيط.
يعارض "سونقو" الدور الفرنسى فى السنغال، وخصوصا هيمنة "توتال" ويحاول تجييش أنصاره واستغلال الحس القومى من أجل حضور أكبر فى الساحة السياسية، لكنه لايعارض قيام علاقة وازنة مع المستعمر السابق، شريطة حفظ الثروة السنغالية والعمل باحترام مع المنتخبين من أبناء الشعب، ويميل أكثر إلى تسيير داخلى متحرر من املاءات الشركات العابرة للقارات، والقوة الاستعمارية مهما كان تمركزه بدكار أو غيره.
ويهتف المرشح الصاعد وسط الآلاف من أنصاره مطالبا بوضع حد لتغول السلطة التنفيذية، وإعادة التوازن للبلد، ويسخر من ضعف الشفافية وثقافة الصناديق السوداء، بل ويطالب بتقنين الميزانية الموجهة لشيوخ الدين، ويعتبر أن وضعها فى الميزانية يجب أن يتم بأسرع وقت ممكن، ليعرف الشعب كم وجه لهؤلاء، وكم أخذ الرئيس بدعوى دعم رجال الدين، إنه واقع يجب التعامل معه يقول "سونقو" لكنه يجب أن يتم بشفافية وعقلانية وبشكل علنى.
حاول "سونقو" أن يجعل من توقيع كتابه " حلول" محطة فارقة فى الحياة السنغالية قبل انتخابات 2019، لقد ظهر الشاب الطامح لسدة الكرسى بلسان طليق، ووجه شبابى يتطلع صاحبه لحصد أكثر من موقع متقدم، إنه خلط الثقافة بالسياسية، والظهور بمظهر السياسى الذى يفكر ويطرح الحلول بنفسه، ويقوده شعبه نحو دولة عصرية، بدل السياسى الماكر الذى يحاول استغلال شعبه لتكريس هيمنته وتعزيز نفوذ المقربين منه.
يتحدث "سونغو" عن التجربة الألمانية فى التدبير والتسيير بقدر كبير من الإعجاب، ويحاول التعالى على نقاط ضعفه، فانتمائه لإقليم متمرد لايرى فيه أي تناقض مع مساعيه الرامية إلى توحيد السينغال والرقي بها مزدهرة ومتجانسة ومتصالحة، وفى الوقت ذاته يرفع انتماء والدة فى وجه منتقديه ، إنه ابن سيدة ولدت وترعرعت فى إقليم "جوريل" الذى تعتبر "طوبى" أبرز مدنه، بما يعنيه ذلك من حضور وتأثير فى الحياة السياسية السينغالية.
يحاول الرئيس مكى صال وأنصاره الضغط من أجل تسريع الإجراءات الحالية فى المحكمة العليا من أجل منع الزعيم البارز والعمدة السابق لدكار "خليفة صال" من الترشح، ويرفع سيف الاعتقال فى وجه المنافس الآخر" كريم واد"، لكن أنصار "سونغو" يسألون الله بإلحاح أن يتمكن الأول من الترشح أو يعود " كريم واد" للسينغال ولو لم يعتقل، إنها النقاط القاتلة للرئيس مكى صال، فترشح خليفه واعتقال "كريم واد" تعنى ذهاب الرئيس و"وسونقو" إلى جولة الإعادة، وربما سقوط الرئيس بأصوات المغاضبين، وقلب الموازين لصالح أبرز ضحاياه فى الوقت الراهن.
سيد أحمد ولد باب / مدير موقع زهرة شنقيط
---------------
(*) مقال تمت كتابه نهاية 2018 ضمن متابعة محلية للانتخابات السينغالية