القول السديد.. في ضرورة الضبط والترشيد بقلم/ الشيخ ولد بيبه

بين يدي القارئ ووفاء لمصلحة الوطن، وفي ظل خلط الأوراق وما هو أقرب للتخبط من النضال، أجدني مضطرا - بحكم الدور في تأسيس النضال - للمساهمة في التعليق على حديث الساعة ليلا يختلط النضال بالتهريج أو يتحول التهريج إلى نضال بعد أن أخطأ البعض طريقه مكرسا واقعا ندفع ثمنه ونجد صعوبة - نحن والزمن وعوامل التحولات الاجتماعية - في التخلص منه.

والسبب وهو داعي العجب أنه في كل زمان ينحرف البعض تارة بسلوك منبوذ ليهبط به درجات إلى أسفل سلم المجتمع، وتارة بالتخلف عن معارك قيّمة قد ترفعه إلى أعلى الهرم الاجتماعي، وهل يجد فيه طرف آخر ضالته ويحسن استغلال فعلته أم لا، تلك مسألة أخرى.

لكن الأدهى والأمر هو أن ينضاف إلى تلك الممارسات الغابرة مسيء جديد فيتطاول على خير البرية صلى الله عليه وسلـم متدثرا بغطاء اجتماعي يخفي دافعا فكريا اقتنع به منذ نعومة أظفاره، فتجد من يدافع عنه. السؤال المحيّر، ما هي العلاقة بين الطرفين؟ فهي إما أن تكون علاقة شرائحية أو علاقة فكرية، وهذا ما سأحاول فك لغزه أو وضع عناوين عامة له، فإن كانت العلاقة شرائحية فالذي لا خلاف عليه أن المسيء ليس وليد الساعة، ولم يتزامن حدثه مع تخرجه حتى نقول كان مشغولا بالدراسة عن النضال، فلما بلغ أشده واشتد ساعده ما تأخر عن قضيته، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لم يجتمع أو يتصل أو تربطه أي رابطة بأطراف النضال حتى نقول أقنعته جهة ما، وحولت فكره إلى هذا الاتجاه عندها تكون تلك الجهة مطالبة بما يصون ماء وجهها، وهذا ما لم يحدث.

أما العلاقة الفكرية فحسب العارفين بالمسيء منذ مرحلة الجامعة ويعرفون توجهه جيدا، إذ ضمته مناظرات كان فيها أكثر قناعة بعدالة جيفارا من عمر أمير المؤمنين، ويرى الدين مخدر الشعوب، ولم ينكر قناعته بفكر اليساريين، وقد تنكروا له هذه المرة، وأحجموا عن مصارحة المجتمع بالعلاقة بينهما، واكتفوا بصفحات وهمية باسم لمعلمين، ليحولوا الإساءة إلى معركة اجتماعية بدل قضية فكرية، وفاتهم أننا راشدون، قلت والمحير أن المدافعين عنه الآن من شريحتنا المفترض أنهم متدينون، فكيف جمعوا بين النقيضين (يساري وإسلامي) والضدان لا يجتمعان وقد يرتفعان.

لسوء الحظ يجد المرء نفسه محاصرا بنظرة موروثة، وقد يكون للبعض ممن يدافع عنهم سبب في تولّدها وحين يتحرك للخلاص منها يجد نفسه في وسط سطحيين لا يعرفون عما يدافعون، فيرمون بالتهمة مزكى من طرف الله. يال الشؤم. تجاوزوا الزمان والمكان والإنسان الذي هو الطرف الثاني في واقعهم إلى خير البرية صلى الله عليه وسلـم. فما هو أساس التقسيم أو المقسم عندهم؟ هل هو عرقي او ديني؟ إن كان عرقيا فتلك عنصرية من شكل آخر، وهل يعالج الظلم بالظلم؟ أو أساس التقسيم عندهم ديني؟ وإن كان دينيا فهل قرأوا عن الدين حقا؟ وهل قرأوا سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلـم، وكم من قارئ لم يفهم ما يقرأ "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" الحديث، وهل يطعنون أيضا في تزكية الله له، {وإنك لعلى خلق عظيم} الآية. ولا أظنهم فعلوا. يا مسيء أو متفهم بدعوى الظلم والتهميش لأن تقيد على بطحاء مكة في رمضائها وتوضع الصخور على صدرك بعد أن كلّ ساعد جلاديك بتهمة حب المصطفى وتعزيره وتوقيره، خير لك من أن يكون لك ملك مصر وتجري الأنهار من تحتك، ولك أن تتساءل: ماذا أفاد فرعون في عليائه؟ وما أضر آسية بنت مزاحم وهي تذاق أصناف التعذيب. ولأن تذوق ما ذاقته سمية وآل ياسر في سبيل حب المصطفى خير لك من ملك هامان ومال قارون، ثم وهو السؤال الجوهري من أنت؟ وما حل بك؟ لقد كان في كل زمان ومكان يبعث فيه الأنبياء يجد المهمشون والمضطهدون ضالتهم في دعوتهم، اسمعوا قول الله {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون، قال وما علمي بما كانوا يعملون}، وكيف عكست القاعدة؟ وهل فعلا أنت مضطهد أم مهمش؟ يال المتفهمين مالكم كيف تحكمون؟ التبس عليكم نضال عقدي بنضال اجتماعي؟ أم هو سوء التقدير والتكييف والخوض خارج التخصص؟ وما الذي ستجنون إلا تعقيد واقع كان معقدا أو تسويد صورة كانت سوداء؟ وهل انتم مناضلون أم مهرجون؟ والفرق بين الاثنين بدهي (مناضل، مهرج) لا يحتاج إلى نظر.

فالمناضل يدرك هدفه ويخطط لتحسين وضع قومه، ومن هنا يحتاج إلى أن يضع رؤية موضوعية وناجحة في التعامل مع المقدسات والعوائد ليلاّ يوسع الهوة بين الطرفين ويصل إلى الاندماج بأبسط ثمن، والمهرج همه هو لفت الأنظار وإحداث ضجة ولا شيء يحقق هدفه أكثر من الصدام مع المعتقدات، والعادات عنده سواء، والرموز معركته معها بالكسر لا بالجبر.