سؤال قديم متجدد لم يغادر مركز الأسئلة المطروحة على المهتمين بالشأن الوطني العام، منذ نشأة ( الدولة ) إلى الآن، وازداد القلق منه على نحو مطرد مع استمرار الإخفاق وخيبات الأمل التي ظلت تحملها تجارب المجتمع ونخبه في مسارهما نحو بناء تجربة سياسية وطنية وفق الحدود الدنيا من أسس الدولة الحديثة.
فكانت كل محطة إخفاق فيها تسلم أسئلتها وهمومها إلى المحطة اللاحقة في حركة سيزيفية لا تكاد ترفع فيها الصخرة إلا لتعود إلى القاع من جديد. وأهم ما حول أسئلة المشروع الوطني فعلا من أسئلة في التخطيط الاستراتيجي والتنموي والمجتمعي والسياسي إلى أسئلة وجود وبقاء ، وصيانة ما هو موجود على ضآلته من عواصف الفناء التي تواصل التهام الدول تباعا في مناخ قومي وإقليمي وعالمي يطبعه اتسونامي زوال الأمم وتفكك وانشطار المجتمعات واشتعال هشيمهم مكوناتها عند انبعاث أبسط شرارة .
وهو ما يبدو اتساقا مع دعوات ظهرت في الغرب لا تخفي الرغبة في استغلال المكبوتات الشعبية الناتجة عن مظالم تاريخية كبيرة للسواد الأعظم من مكونات المجتمعات خصوصا العربية والإسلامية للشروع في خرائط وجغرافيا كولونيالية جديدة أقرب إلى اللوحات السريالية وصلت إلى مرحلة (ما بعد الصومال) و تشطيرالدويلات القطرية الصغيرة والضعيفة في الأصل إلى كيانات قزمية لا تتجاوز 900 كلمتر مربع.
إلى أين تسير موريتانيا يتوقف على قدرة طبقتها السياسية على معرفة ما يمكن انتزاعه من مطالب اللحظة الملحة ـ وهي كثيرة ومتعددةـ بوسائل قابلة أن تكون تحت سيطرة من لديهم الحكمة والوعي ودرجة من المسؤولية والانتماء الوجداني والنفسي والثقافي لموريتانيا بحدودها ودستورها وبنيتها الإدارية والرمزية الحالية.
وبتفسير آخر كيف نصنع رؤية وبرنامجا يخرجاننا من وضع الاحتقان ذي الحمم المتحفزة للانفجار في كل لحظة، وعلى هدي يجنبنا في الوقت نفسه تمزيق وطن من حيث أردنا إصلاح نظام أو تغييره. وإذا كانت أسئلة الوجود الإنساني قد ظهرت لدى المفكرين والفلاسفة في الأصل تحت الحاجة إلى ابراز قيمة الوجود وأهميته، ودفع الإنسان إلى أن يختار القيم التي تنظم حياته وتحفظه من مآلات العدم، فحري اليوم بكل الموريتانيين على اختلاف تكوينهم ووعيهم إن تكون لهم مشاركتهم في صيانة بلدهم ومجتمعهم وعقيدتهم وقيمهم من مخاطر التلاشي أو الاضمحلال