ولد لحبيب يكتب.. متلازمة الرئيس عزيز وفرصة غزواني!

أمس في نقاش مع بعض الأصدقاء قال لي أحدهم؛ رئيسكم منذ ثلاثة أشهر ولم يفعل شيئا، والرئيس قيس سعيد بمجرد دخوله القصر أقال وزراء، وفعل، وفعل!.

طبعا لا يجهل الأخ أن قيس سعيد لا يملك من صلاحيات فيما يتعلق بالحكومة إلا لقاء بروتوكوليا برئيس الحكومة بعد أن يتسلم اسمه من رئيس الغالبية البرلمانية.

ذكرته بأن الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي لم يستطع إسقاط حكومة الشاهد رغم أنها منبثقة عن حزب الباجي نفسه!.

وإذا كانت إقالة الحكومات إنجازا ففي موريتانيا تغيرت الحكومة كلها تقريبا.

من يتأمل تعليقاتنا على الحكومة الحالية ورئيسها يدرك أننا نفترض في نفوسنا نموجا ومن لم يأت على مقاسه فلأمه الويل. ننشد التغيير في الأساليب وتحن نفوسنا إلى الأسلوب الذي ألفنا.

هذا نوع من رفض تقبل الناس كما هم، ورفض التعامل معهم كما هم، ومحاولة فرض أن يكونوا كما نريدهم. والواقع أن الناس سيظلون كما هم، ولن يكونوا أبدا كما نريدهم. لا أعرف ما ذا يسمي علمُ النفس هذا.

وهو في حقيقته خلط غير واع بين النظر في الأعمال والنظر في الأساليب. ما يهم في الأساليب هو كونها تؤدي النتيجة أو لا تؤديها، وليس كونها تطفئ حرقة حموضة، أو ظمأ إلى العنتريات دفينا في النفوس، وشغفا للآذان بالجلجلة.

هذا النمط من التفكير يقود إلى نمط من السلوك أغرب منه؛ فالذين كانوا يعلنون عن أمانيهم بنهاية حقبة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، يظهرون وكأنهم هم الراغبون في عودتها اليوم.

مع غياب شخص الرئيس محمد ولد عبد العزيز وبداية التغيير في سلوك النظام السياسي عما كان عليه على عهده، وفتح منافذ لهذا التغيير في اتجاهات شتى، بدءا من تقليص حضور شخص الرئيس في تفاصيل المشهد الحكومي اليومي، وإعطاء مساحة للحكومة لإبراز شخصيتها، وليس انتهاء بطريقة التعاطي مع القوى السياسية المختلفة، بما فيها الأغلبية الحاكمة.

مع هذه الإشارات بدا المعارضون الشرسون، إعلاميا على الأقل، لأيام الرئيس عزيز وكأنهم يحنون إليها ولا يريدون انصرامها.

يبحثون عنه خلف كل قرار، ويستدعونه عند كل حدث، والأغرب أنهم يطالبون بمعالجة الأمور على طريقته، مع أنهم كانوا يلعنون تلك الطريقة في أيامها ويقولون إنها إحدى المصائب.

الحقيقة أن البحث عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز خلف قرارات وتصرفات الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تنقيب في غير محله، ولن يجدي شيئا، إلا أن متتاليات الاستنتاجات لا يمكن إيقافها، وفي التحليل الجزئي يجد المحلل دائما ما يدعم وجهة نظره مهما اشتط في الإغراب.

القاعدة الوحيدة التي يمكن القول بها هي أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز سلم السلطة وخرج منها، وهناك غيره في الكرسي يدير الأمور، ويجب النظر في تصرفاته انطلاقا من هذه القاعدة البسيطة.

ليس من الإنصاف مطالبة معارضي نظام بالبحث عن محاسنه، أو عدم البحث عن مساوئه، وأبعد عن الإنصاف المطالبة بالتعبير عن تلك المحاسن، أو عدم التعبير عن المساوئ، إلا أن رفع النقاش إلى مستويات أهم مطلوب، وإخضاع النقد للحد الأدنى من المنطقية والإنصاف هو ما يعطي معنى لما نقوله، معارضين وموالين.

قلت قبل قرابة عام إن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يشكل فرصة للعبور بموريتانيا من واقع البؤس الذي تعيشه في مختلف مجالات الحياة، ولقيت حينها نكيرا شديدا، وتخوينا أحيانا.

والأهم في نظري أنه يشكل فرصة لتغيير سلوك الدولة، وإعادة الهيبة إلى مواقع القرار، ليس بالحديد والنار وإنما بإعادة المصداقية للمنطق، والقانون، والصلاحيات، والدراسات، وما شابه، مما تبنى عليه أسس التنمية الصحيحة. وأذكر أني استخدمت تعبير "فتح القوس الذي أغلق عشية إقالة حكومة الزين ولد زيدان عام ٢٠٠٨".

وبعد انتخابه تتالى السياسيون الذين أنكر علي بعض شيعتهم في التعبير عن نفس المعنى، وبنفس الألفاظ أحيانا. وأعود وأقولها إن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني فرصة لو انتهزت وأعطيت الدعم الذي تستحق، أو نظرت بعين من التوازن، لكان أثرها أعمق مما يمكن التعبير عنه الآن، في هذه المساحة.

إن سعدت بشيء من الوقت فقد أعود إلى هذا الأمر مجددا، من زاوية تقييم المائة يوم الأولى من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.