هل سقط الرئيس؟

هل سقط الرئيس من أعين مساعديه؟ ولماذا عجز عن حسم المعركة القائمة؟

شكل الصراع الدائر بين رموز الحكومة الموريتانية أبرز مظاهر الوضع المتردي الذي آل اليه وضع البلد في ظل قيادة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، بعد أن تحول الرجل من عسكري تخافه مجمل القوي الفاعلة في الساحة، إلي واجهة يتصارع تحتها رموز الأغلبية دون خوف أو تأثير.

 

الرجل الذي وصل إلي السلطة سنة 2008 في انقلاب عسكري معلن، واجبر الرئيس المدني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله علي الاستقالة، وأنهي مسار الحركات المتحالفة معه في الحكم، وطرد السفير الأمريكي من مكتبه بعد اعتراضه على توليه مقاليد الحكم بالقوة، بات اليوم عاجزا عن فرض خياره في التشكلة الوزارية المحكوم بها، أو الجام رغبة بعض المقربين منه في العودة للنفوذ والسلطة، ولو علي حساب القيم الناظمة لدولة القانون.

 

لقد حاول ولد عبد العزيز قبل شهرين استعادة بعض ماضيه من خلال اظهار الحزم تجاه صحفي شتم أحد الوزراء أمامه، واتهم أحد معاونيه بالسرقة، لكنه حزم لم يعمر، فقد تعرض وزيره الأول للسب أمامه في حشد من الأطر بالنعمة بدفع وتوجيه من مساعديه الآخر، دون أن ينبس الرئيس ببنت شفه أو يتجاوز تدوين الأفكار التي يعبر عنها بعض أطر المنطقة من ذوي التكوين الضعيف، وكأنه سكرتير وزير.

 

كيف بدأ السقوط؟

 

في العشرين من اغشت 2014 اقدم الرئيس محمد ولد عبد العزيز على اقالة وزيره الأول مولاي ولد محمد لغظف، واختار وزير النقل ساعتها المهندس يحي ولد حدمين لقيادة التشكلة الوزارية، ضمن تعديل وزاري يحترم الأعراف الدستورية التي تقضي بتشكيل الحكومة بعد انتخاب الرئيس، ويضمن استمرار الأعمال والمشاريع المفتوحة، من خلال الإبقاء علي بعض الوزراء المكلفين بمناصب سيادية أو مصالح خدمية يتعين اكمالها.

 

لم يستشر الرئيس – علي مايبدو- وزيره الأول المغادر في القرار، ولم يستوعب أن خليفته المتوقع في سدة الحكم مولاي ولد محمد لغظف غير راض عن تعيين أحد أعضاء الحكومة العاملين تحت قيادته لأكثر من خمس سنوات خليفة له في قمرة القيادة والتخطيط.

 

غادر الرجل مكتبه – وهو غير مرتاح- إلي "كزرته" الشهيرة جنوب "تنويش"، واغلق منزله في وجه المعزين، واستمر في إدارة الحكم من خلف ستار، عبر تشكلة من الوزراء المخلصين له. مستظهرا بدعم سياسي قوي داخل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بموريتانيا، بعدما اكتفي الرئيس بتغيير رئيسه ونائبه الأول في دورتين طارئتين لمجلسه الوطني، دون المساس ببقية الجسم الذي نمي وترعرع أيام نفوذ ولد محمد لغظف خلال مأمورية الرئيس الأولي، وبداية المأمورية الثانية.

 

كان الرئيس طيلة الشهور الخمسة الأولي للتعديل يخضع لضغط اعلامي وسياسي، باعتباره نموذج الرجل غير الوفي لأصدقائه، وكان الجميع يشعره تصريحا وتلميحا بأن التفريط في مولاي ولد محمد لغظف يشكل أسوء قرار اتخذه في حياته، وأن خبرته الطويلة في تسيير الأمور بالبلد تتطلب إشراكه في العمل التنفيذي، بدل تركه للشارع والوساوس الناجمة عن الفراغ الشديد.

 

نجح الوزير الأول السابق مولاي ولد محمد لغظف في العودة للواجهة عبر الأمانة العامة للرئاسة، في أول تعديل يجريه الرئيس علي حكومة الوزير الأول يحي ولد حدمين، وبات أحد رموز المشهد الحاكم بموريتانيا في أعين الكثير من رفاقه السياسيين.

 

بدت الأمور محسومة لصالح الرجل، وتحرك عبر مسارات الحوار المتعثر لتقديم نفسه كشخصية توافقية، تحمل آمال الأغلبية، ويستمع إليها المعارضون، غير أن زيارة الرئيس للحوضين كانت كاشفة لمسار ظلت التقارير المفبركة تصفه بأن الأحسن في تاريخ البلاد، قبل أن يدرك الرئيس – ولو جزئيا- أن مليارات الأوقية التي أنفقها في المأمورية الأولي تاهت في صحراء الفساد الشاسعة، وأن التقارير التي كانت تثقل كاهل مكتبه، مجرد أرقام شكلية لاعلاقة لها بالمنجز علي الأرض، وأن الشفافية التي رفعها كشعار لمأموريته الأولي، لم يستوعبها كبار مساعديه، وأن الفساد الذي حذر منه ورمي به خصومه، كانت جيوبه تنهش جسم الدولة، وتمنعها  من التعافي، وكان بعض رموز حكمه أبرز المساهمين فيه،إنها المليارات المنهوبة في مشاريع الإسكان والتعليم، ومحو الأمية..

 

إلي أن تسير البلاد؟

 

لاتبدو خيارات ولد عبد العزيز محدودة، لكن العجز الذي صاحبه عن اتخاذ المواقف منذ نهاية المأمورية الأولي يشكل أبرز تحدي واجهه.

 

لقد بدت التشكلة الوزارية غير متناغمة، واتضح المشهد وكأن الرئيس يمشي في الشارع بجلباب مرقع، تبدو بقع الاتساخ فيه واضحة، ويحاول صاحبه الشعور بالنشوة، وهو يلقي بناظريه علي القطع الجديدة في الثوب المعار.

 

قليل من يدرك حجم الإرباك الحاصل في العمل التنفيذي بفعل اختلاف القلوب وتنافرها داخل الحكومة، وقليل من يدرك عجز الرئيس عن تغيير الواقع في الأمد المنظور، بفعل قوة الضغط القبلي والعسكري الذي يتعرض له، روح الزمالة هي الأخرى لها نصيب، والخيارات المطروحة أمامه بعد نهاية المأمورية الحالية باتت محل طرح ونقاش داخل أروقة صنع القرار بموريتانيا.

 

يقول العارفون باصلاح الخرق قبل اتساعه إن الأمر يتطلب أكثر من قرار، وإن تعديلا شكليا لن يحل الأزمة، ولكن ربما تكون مكاشفة الرئيس لأعضاء الحكومة، أفضل الخيارات المتاحة لوضع حد للاستقطاب الحاصل، وأن مكانة الرجل في محيطه السياسي باتت معرضة للانهيار بفعل العجز الذي اتسم به تجاه الفرقاء المختلفين، تضيع الحكومة اذا لم يكن لها رئيس، وتتناثر حبات المسبحة في الرمال اذا فقدت الخيط الناظم، والقطيع السائب يمكن أن يتكاثر، لكن الاستفادة منه محدودة.

 

زهرة شنقيط