خطاب التطمين.. كسبنا معركة والحرب مستمرة

حمل خطاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني هذا المساء جرعة جديدة وجدية من الإجراءات التي أعتقد أن الجو العام كان بحاجة إليها، وهي تنم عن مستوى من المسؤولية في التعاطي مع الأزمة طبع مسيرة التعامل التي بدأتها السلطات العمومية منذ بداية تصاعد أزمة هذه الجائحة.

1. يمثل خطاب الرئيس خطوة تصعيدية في الإجراءات، وجرعة تزيد من سقف الحرب التي بدأت تدريجيا؛ بتصريح من وزير الصحة، تلاه حجر بعض المتخوف من إصابتهم، فتعليق اجتماع مجلس الوزراء ثم تصريح رئيس الجمهورية بشأن الوضعية، فحظر التجوال الليلي، ثم إغلاق المطاعم والمقاهي، وإغلاق المنافذ.. فالخرجات المتعددة للوزارء (خاصة وزيرا الصحة والتجارة المعنيان مباشرة).. فالخطاب الليلة.

2. من حيث المضمون تمثل حزمة الإجراءات خطوة إلى الأعلى، فهي تعلن عن تمدد التدخل أفقيا ليتجاوز الصحة ومواجهة الكارثة إلى التصدي للآثار المرتبة عليها، فإذا كانت الكارثة فاجأت العالم فإن الأصل الا تفاجئه آثارها، وهي لم تعد مفاجئة لذلك من المناسب أن تبدأ معالجتها الآن قبل أن تستفحل.

3. ومع هذا الاتجاه فهي لم تغفل أن معركة الوباء ما زالت مستمرة؛ فحضرت المعدات والأدوات الطبية التي تحتاجها الإجراءات الوقائية والعلاجية للداء في صدارة الإجراءات لتستكمل بذلك بناء استراتيجية التصدي التي رسمت أولى خطواتها بالعزل والحجر الصحي، وحالة الطوارئ الصحية التي أعلنت في صمت منذ اللحظة الأولى.

4. ومن الطبيعي أن للوباء آثارا عامة على كل المواطنين، وهي التي شرعت الحزمة في مواجهتها، بتحمل الدولة تكاليف الجمركة عن المواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها كل الناس، حتى لا يقع عبء توفيرها على كاهل الموردين، الذين سيواجهون ارتفاع أسعار في العالم، وفي تكاليف الشحن، والتخزين وارتفاع أسعار العمالة في ظل الإجراءات الصحية المتبعة في كل بقاع العالم.

5. ثم تأتي الآثار الخاصة على مواطنين من ذوي الدخل المحدود وجاءت الإجراءات لتقف معهم وقفة متعددة الأبعاد؛ فهي ستخفف عنهم أعباء الخدمات من فواتير المياه والكهرباء، وستضع في أيدي بعضهم ممن بهم خصاصة (30 ألف أسرة) مبالغ مالية تعينهم على لأواء الزمن، وصعوبة الحال. والثلاثون ألف أسرة ستضم في المتوسط ما بين 150 و200 ألف إنسان يمثلون نسبة معتبرة من سكان مدينة نواكشوط ستقارب على 10% إن لم تزد عليها.

5. ولأن هناك مهنا أخرى ستتأثر تأثرا بالغا بهذه الأزمة والتداعيات، وهي في
الأصل تدفع ضرائب للبلديات أساسا فهي معفية من هذه الضرائب.

6. ولذوي الزوارق الذين يعيشون بدخل يومي يتلقونه من مياه البحر حاجة لدعم يخفف عنهم، ويعتبر رفع الضرائب على كل النشاط المرتبط تخفيفا حقيقيا للأعباء عن كواهلهم.

7. من يتأمل مجموع الإجاءات السابقة يجد أنها ستحيط بكثير من ذوي الدخل المحدود، وتحاول النفاذ إليهم من أكثر من سبيل؛ فمن لم يجد حاجة للدعم النقدي شملته إعانات المياه والكهرباء، ومن فاتته هذه خففت عنه ضرائب، ومن لم يحظ بشيء من ذلك واجه أسعارا مضبوطة في السوق، ورقابة صارمة على المواد الاستهلاكية. فهي عبارة عن مكعب في محيط ذوي الدخل المحدود لا بد أن يلامس كل فريق منهم ضلع أو اثنان من أضلاعه.

8. مع الصندوق الاجتماعي لمواجهة الوباء وآثاره، لم تظهر الدولة متسولة تستجدي من الخارج والداخل، وتمتص وجوه الناس بالتسول؛ وإنما ظهرت مؤسسة ذات قدرة على التصور والتخطيط والإسهام، ولكنها في ذات الوقت تدرك حجم إمكانياتها وتتصرف بمسؤولية عالية، وبمسحة أخلاقية تدرك أن المسؤولية لا تقع عليها وحدها؛ فهؤلاء الذين فتح لهم الباب للتبرع جزء من الدورة الاقتصادية، وجزء من الدولة بالمعنى العام.

9. وليس عيبا أن تعيد الدول جدولة ميزانياتها في زمن الأوبئة، وتوقف مشاريع كانت قد أعلنت عنها لصالح التدخل في الأزمات، ولكن الدولة اختارت أن تبقي المشاريع ذات الأبعاد الاجتماعية كرافعة لمواجهة الأزمة، ولم تشأ أن تأخذ من الفقراء بالشمال ما "تعطيهم" باليمين لأنها تدرك أن هذين واجبان لا يغني أحدهما الآخر.. وأن المسؤولية في مواجهة الوباء هي ذاتها المسؤولية في مواجهة الغبن، والحيف وكل المظالم..

10. استمر الخطاب على ذات وتيرة التطمين والتحذير، ومد جسور الأمل، ودق أجراس الإنذار، فهي يطمئن إلى الإجراءات، ويزيد من الثقة بضخ المزيد من التدابير الاقتصادية والاجتماعية، ولكنه في ذات الوقت يجدد النداء إلى مزيد من الحزم في تنفيذ الإجراءات والالتزام بالتعليمات...
وهو ما يعني ان الأمر ليس ردات فعل آنية، ومواجهة إعلامية مع خصوم سياسييين، وإنما هو رؤية متكاملة الأبعاد، متماسكة ترى الهدف، وتعرف طريق الوصول إليه، مقتنعة بقدرتها على الوصول، واثقة بأن مسيرها موصلها لا محالة... والله لا يخيب من أخذ بالأسباب وتوكل على الكريم المنان.

11. سبق الخطاب بحملة يقودها الرئيس بنفسه تضع قيادات القوى السياسية أمام مسؤوليتها الوطنية، وتخبر الجميع بأن وقت كسب النقاط ليس الآن، وأن المعركة ليست عملا سياسيا للنظام بالمعنى الحزبي السياسي وإنما هي شأن وطني الكاسب فيه هو الوطن والمواطن، والخاسر هو فيه من تخلف وانشغل بالمعارك الجزئية، وانتصب لتسجيل المواقف بالعنتريات، والمزايدة، ولن يرحم التاريخ من ولوا الأدبار الآن.. والناس عباد الله وهم شهوده في أرضه، وعلى خلقه.

هذا الخطاب وهذا التحرك وهذه المسؤولية.. تقول إن هذه الصورة التقطت في يوم فارق من تاريخ البلد.

محمد عبد الله لحبيب (ديدي)